لقد وردنا تاريخ النّساء مبتورًا، لم تكتمل حلقاتُه بعد؛ عدا أنّه بدا أعرجا بعض الشّيء باعتباره خُطّ بضميرٍ واحدٍ ناب عن الحاضر والغائب معًا، فكان هذا من بين الأسباب الموضوعيّة لميلاد “تاريخ النّساء الّذي لم يُكتب بعد”، وهو كتاب أصدرته الأكاديميّة والروائيّة الجزائريّة البروفيسورة فيروز رشّام سنة 2022، لترصد بين طيّاته عديد القضايا الّتي أرّقت الإنسانيّة.
نظّمت الجمعيّة الجزائريّة للدّراسات الفلسفيّة بمعيّة مخبر الجماليّات والفنون والفلسفة المعاصرة ومخبر إشكاليّة البحث العلمي في بناء المجتمع العربي هذا السّبت ندوة فكريّة عُنيت بمضمون المؤلَّف المذكور من طرف أكاديميّات من جامعة الجزائر 2 إلى جانب صاحبته المنتسبة إلى جامعة البويرة، وقد تنوّعت القراءات بين من اهتمّت بالخطاب والخطاب المضادّ على غرار ما خطّته البروفيسورة خديجة زتيلي المختصّة في الفلسفة كاستجلاء لهذه الحيثيّة من خلال فصوله المترامية المشارب بين تاريخ المرأة والكتابة، الكتابة في الأدب وقضايا أخرى ذات طابع فقهي.
إنّما، قبل ذلك، استهلّت هذه المفكّرة الجزائريّة كلمتها بالإشارة إلى أنّ “هذا اللّقاء الفكري لَيتأطّر بالعقل النّقدي الّذي يتوسّل بالحفر والتّفكيك والتّحليل والاجتهاد والانفتاح على المغلق والمضمر والمسكوت عنه في تاريخ النّساء”، مثلما اختتمت قراءتها للكتاب بسؤال وجّهته للمؤلٍّفة مفاده:” هل يكون لهذا الكتاب الجادّ والعميق جزء ثانٍ؟”.
ومن جهتها، كانت لرئيسة مخبر إشكاليّة البحث العلمي في بناء المجتمع العربي، البروفيسورة آمال موهوب المختصّة في الفلسفة، قراءة استدعت العديد من التّساؤلات الحرجة الّتي أثارها الكتاب متسائلة عن دور الضّمير المؤنّث لو كان حاضرا فعلا في تدوين مجرى التّاريخ، ومستذكرةً موقفا حيّا مرّت به في مرحلة الثّانوي وبقي عالقا بالذّهن فحواه إسكات المرأة وإقصاؤها من إبداء رأيها وإعلاء صوتها، لتُنهي بعبارة “تاريخ المرأة هو كتابة تاريخ جديد جوهره استنطاق زمكاني صامت”.
كذلك، تأتي البروفيسورة سهام شريف المتخصّصة في علم الاجتماع الدّيني بقراءة منغمسة في فصلَين استجلت من خلالهما محاولة الكاتبة لإحداث مقاربة سوسيودينيّة لإرث النّقد النّسوي من خلال استقلاليّة المرأة في المساهمة في إنتاج هذه المعرفة، مع ضرورة رفع وعيها بحقوقها ودورها الاجتماعي. ولم يخلُ الأمر من الانتهاء بتساؤلات مسّت الآفاق البحثيّة الجديدة الّتي ترومُها كالآليّات الّتي تمكّن المرأة من الإسهام في المعرفة الدينيّة بالنّظر إلى تطوّر المدارك والبنى المعرفيّة للمرأة المعاصرة.
أمّا الدّكتورة إيمان كاسي موسى المختصّة بدورها في علم الاجتماع الدّيني، فقد وَسمت قراءتها ب” إشكاليّة النّوع الاجتماعي بين الأنا والآخر عند فيروز رشّام” بعد أن قرأَت للمعنيّة كتابا مهموما نَحَتْ فيه منحى المقاربة الوظيفيّة في علم الاجتماع وعَمدت إلى عناوين مثل: المرأة كذات كاتبة، المرأة كموضوع للكتابة، الكتابة المضادّة…الخ أين استرسلت المؤلِّفة في إبراز تأثير الكتابة الذكوريّة الّتي نابت تاريخيّا عن المرأة وسَلبتها ضمير المتكلّم قبل أن تروّج لبعض المفاهيم القلقة.
انتهت النّدوة بكلمة ألقتها الكاتبة فيروز رشّام بالمناسبة شرحت فيها أسباب خطِّها لهذا المُنجز الفكريّ قبل أن تخوض في بعض إشكالاته، وقد فُتح نقاش ثريّ بالمناسبة اشترك فيه أساتذة وطلبة دكتوراه من تخصّصات العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، أُتبع بتكريم للكاتبة ومجمل المتدخّلات.
إ.ك