في زخم المجتمع الذكوري
“المرأة في خطابها الإيديولوجي تسعى للتغيّر وإثبات الوجود“
اعتمدنا قراءة بعض الروايات الجزائرية وكيف استهلكت حروفها خطاب المرأة الجزائرية على لسان الروائي الجزائري، الذي أوصل صوتها في زخم المجتمع الذكوري، فكان صوتا يطالب بحريتها من سلطة الرجل، وصوتا يسعى للتغيير وإثبات الوجود، كما كان صوتا للوطن، ومن الروايات التي وقع عليها الاختيار كانت رواية “ليليات امرأة آرق” للروائي رشيد بوجدرة، رواية “يصحو الحرير” لأمين زاوي ورواية “ريح الجنوب” و”الجازية والدراويش” للأديب الراحل عبد الحميد بن هدوقة.
تتعدد المواضيع التي تعالجها الرواية والتي تعد من ضمن الأجناس الأدبية التي تتخذ من أحداثها ومن مواضيعها المرأة التي تعبر عن ذاتها بخطاب إيديولوجي وتسعى للتغيّر وإثبات الوجود، ومنه كانت مقتطفات من روايات جزائرية عن حكاية امرأة جزائرية كرمز للوطن والتضحية والتحدي ورمزا للأسطورة، فهي الحاضر وبدون ماضيها لا وجود لمستقبلها.
وقالت: “سيمون دي فوفوار”، “إننا لا نولد نساء بل نصبح نساء، إنه ليس من السهل أن تعيش المرأة بجسد وعقل سليمين وأن تؤدي كل المهام المنوط بها والملقاة على عاتقها من أعمال منزلية والاهتمام بالأطفال ورعاية الزوج وتلبية طلباته، والعمل خارج المنزل والقيام بوظيفتها على أحسن وجه، إلا إذا كانت امرأة بمعنى الكلمة.
رواية “ليليات امرأة أرق”… ثورة الأنوثة والنهوض للتغيّر
أبدع الروائي الجزائري رشيد بوجدرة في روايته “ليليات امرأة أرق”، التي يحاكي فيها الأنوثة، عن شخصية المرأة بدون تقديم اسم لها أو لقب، تضمنت حكايتها مع ثورة الأنوثة، ومن عنوان رواية تتنامى الأحداث فيها بحكم الشخصيات التي تحول لتختفي حتى لتعود مرة أخرى، كما تمتد الرواية إلى مجموعة من الخطابات واللغات وهو البعد الذي تمكن بوجدرة من نسج الواقع بالخيال.
إن بنية الرواية لا تنشأ من العدم وإنما ثمرة للبنية الواقعية السائدة الاجتماعية والحياتية والثقافية على السواء، فالحكم والأحاديث والأقوال والمواقف عن المرأة المثقفة هي المرأة الطبيبة التي نستمد منها النور والثورة معا، فتفاعل المرأة من أجل الحرية والنهوض من أجل التغير وهذا الموقف ما هو دليل على نضج ووعي الذات، وإنما هو وعي الثورة ووعي الفكر فهل هو موجود أثناء الثورة أم سيكون بعدها؟ ونحن نعلم أن المجتمع الجزائري يعيش في مجتمع ذكوري محض أو بالأحرى كان كذلك.
فالمرأة اليوم تصنع التحدي جنبا إلى جنب مع الرجل، فالخطاب الأنثوي هو خطاب حواء، هو كلام مسكوت عنه عبر التاريخ، ولكنه مع التصميم والتحدي وفرض الوجود بدأ يتفاعل على جل المجالات الاجتماعية، السياسية وكذا الثقافية، خاصة إذا عدنا إلى ما يمكن تسميته النوع الجنسي وتوزيع الأدوار حسب الجنس، فتبحث الرواية عن تحرر المرأة في صورة المرأة التي تبحث عن تحررها من قيود الجنس الخشن.
الأنوثة بين فلسفة التحرّر والفعل العقلي
ضمن العلاقة الموجودة ما بين فلسفة التحرر والفعل العقلي، نجد المنظور الفكري التي تتمسك به الطبيبة بالدعوة إليه، بعدما كانت سجينة القيم والتقاليد البالية وتسعى للتعبير عن بناء فكري عقلاني جديد، بدلا من ثقافة الموت التي تختار كل مرة مخيلة الأنثى وهي تواجه السلطة الذكورية كل يوم فلسفة عقلها وهي تعيش في وسط مجتمع لا يعترف بصوتها ولا يقدرها أحسن تقدير، يناهض بوجدرة الدين والتاريخ، الفلسفة والفكر لتحرير المرأة من قيود الجنس الأخر ومن فكرة العيب فيها والخطأ.
من فكرة الإقصاء لحياتها ولشخصياتها، فتتخطى شخصية الطبيبة في رواية “ليليات امرأة أرق” كل القيود وكل السلطات الذكورية وتتصاعد عن الفكر الديني والكبت الجنسي لتقول أنا هنا وجزء من تاريخ المجتمع الجزائري، لابد أن تصارع زمانها لتكتب فيه اسمها وتفرض تحديها، آمالها وأحلامها.
ومن خلال المنظومة الفكرية الذكورية تعريفها يكمن في انتهاك القانون التاريخي للأنثى فيقول بوجدرة: “ليس مجرد تفريغ لشحنة زائدة من الانفعالات الأنثوية ولا مجرد تخلص من توتر الدفعات الغريزية بطريقة تلقائية، إذ إنه على النقيض من ذلك، يتطلب بعض من الثقافة والتنظيم ويفترض ضروريا من القواعد والمعقولية”.
يصحو الحرير” لأمين زاوي.. حكاية عن حرية امرأة
يظهر جليا من عنوان “الحرير” كل من النعومة والإحساس الأنثوي ومنه يتمثل في الحرية وبالأخص حرية المرأة، ومن كلمة “يصحو” تتشكل في ذهنيات القارئ الصحوة من الغفلة، وبدأت هذه الرواية بأبيات شعرية ترسم العشق وقداسة الحب.
الدوح، الدوح وبالهوى قلبي مجروح
لو كان صبت اسمك نكتبو في اللوح
ومحبتك في السطر الفوقاني
ومنين نتفكر نجبد ذيك اللوح
نحقق في الحروف كان تبرد نيراني
ما فوق محبتك غير ربي الفوقاني
نجد المرأة عند الروائي أمين الزاوي مصدر المعرفة اليقينية والتجربة والحكمة تسحر بحكايتها حين تقول: “أعرف أن الرجال لا يحسنون الحكي، لذا أنا حروف الزين “شيري” كما كان يلقبني “ممو”، أنا التي سأفضح كل شيء أنا سليلة شهرزاد، قوتي في عسل الكلام…”، ومع النهاية ترفع الأقلام وتبقى الحكايات: “سمعتني يا سيدي طاب مجلسك حتى النهاية المحكية”، ومنه نجد بداية الرواية والكتابة تشويق تخطوها شخصية “شريفة” لما لها من جمال والتي تعرف بحروف زينة ومرة أخرى بزينة الحروف “كما أراد والدها تسميتها”.
يأخذنا الزاوي عبر روايته “يصحو الحرير” إلى 15 عشر محطة، مختلفة ومتنوعة تصحب العديد من المواقف والشخصيات، ومن الرواية المرأة تقرأ ذاتها وتقرأ ذوات غيرها، بقدر ما نجدها انغلاق على نفسها نجدها انفتاح على الأخر، وهنا يتداخل الصراع السياسي والخطاب الإيديولوجي في أواخر الثمانينيات، كما نجد من هذه الرواية تعدد الشخصيات واختلافها وفي الغالب تكون شريفة هي الراوية والمروي عنها والمروي لها.
وبما يخص العلاقة التي تسبح بين الرجل والمرأة إلا ما تمكث وتنتهي بفراق إما عن طريق الطلاق، الهجرة آو الموت، إن الروائية الأحداث شريفة تمثل الوطن التي تحاول رسم خريطة حياتها ولم تكتمل هذه اللوحة، إلا مع اكتمال النص “حين نظمت حقيبتي وأردت الانسحاب قالت لي الغزالة التي خرجت من صمتها ومن موتها المحنط وكأنما انتصرت على القناص لا ترحلي ….وإذا هجم علي صوتها ببحته التي ذكرتني ببحة صوت أبي عشيقي الأول…أعدت جواز السفر إلى مكانة، وقابلت اللوحة التي لم تنتهي أخذت الريشة وإذا ملامح عمي مزيان يبرز من نحت الخطوط ومن تحت موجات الألوان بقوة كان مبتسما كالغزالة”.
المرأة رمزا للوطن عند الأديب عبد الحميد بن هدوقة
بين الصراح الذاتي والموضوعي، يخلق الإبداع عند بن هدوقة الأديب الجزائري الذي يقف على العلاقة الجدلية بين الأنا والأنا الأعلى، إنه زمن الأديب الذي لا يقف قلمه عن الكتابة إلا ويجسد المرأة في روايته، مرورا من “ريح الجنوب” إلى “الجازية والدراويش”، نجد المرأة رمزا للوطن رمزا للأرض رمزا للحب والحياة ورمزا للحنان للعطاء، للتضحية والصراع، رمزا للتحدي والاستمرار، ومنها نجد المرأة عند بن هدوقة في روايته “ريح الجنوب” من شخصية رحمة و”ربيحة” اللواتي يصنعان الفخار وهن رمز للتقاليد وللصنعة والإبداع ومنه هي صانعة الرجال كانوا منهم شهداء ومجاهدين كانوا أبطال الجزائر، كما نجد “رقية” وهي رمزا للجزائر الحديثة المعاصرة، التي تنازلت عليها المشاكل من كل ناحية ولا تخرج منها سوى بالرجوع إلى الماضي أين تكمن أصالتها وحضارتها ومنها ثقافتاها.
ومن “الجازية والدراويش” نجد “عبد الحميد بن هدوقة” يستنطق المرأة الأسطورة كرمز من الرموز التي تحاكي الماضي وتعيش الحاضر، فـ “الجازية” شخصية المرأة ذات جمال شديد ينير كل ركن من القرية، ومنه جاء خطابها وعشاقها منهم الأخضر والطاهر، العابد وغيرهم، ومن هنا تتمثل عن شخصية “الجازية” بكونها الجزائر ومحبوها هم كل أبناء الجزائر، ورغم أن لكل منها فلسفة الخاصة في الحياة إلى أن الجميع يموتون لأجلها، ولأجل حريتها وتطورها ومن هنا تجسد المرأة رمز للوطن، وأساسا للتحرر الفكري الاجتماعي الثقافي لكي لا تكون جزء من التاريخ بل من تصنع إلى جانب الرجل تاريخها.
ويجدر الذكر أن الروائي عبد الحميد بن هدوقة من أوائل الكتاب الذين كتبوا الرواية الفنية الناضجة باللغة العربية في الجزائر، وبتالي يعد من مؤسسي الرواية الجزائرية، الأمر الذي جعله يتبوأ مكانة مهمة في الحقل الأدبي الجزائري وكذا العربي، حيث استطاع بن هدوقة أن يفرض نفسه في المحيط الأدبي الجزائري بطريقة لائقة وذلك من خلال الكتابة باللغة العربية، باعتبارها تجسيدا للهوية الوطنية.
المرأة كموضوع تقدم بأشكال مختلفة من كل الأجناس الإبداعية
تستنطق المرأة ذاتها وتطلب إثبات وجودها من خلال روايات الجزائرية التي سلطت “العاصمة نيوز” الضوء عليها فالمرأة تبني ثورتها، وتصنع فلسفة تحررها وترمز لوطنها، كما نجد المرأة الأسطورة كرمز من الرموز التي تحاكي الماضي وتعيش الحاضر، وأساسا للتحرر الفكري الاجتماعي الثقافي، لكيلا تكون جزءا من التاريخ بل من تصنع إلى جانب الرجل تاريخها.
والجميل ليس في طرح الروايات التي اختيرت للموضوع، وإنما الرواية المكتوب على اللسان الرجل، فكل الروائيين هم رجال اختاروا الحديث عن المرأة مؤمنين بحريتها وقدرتها على التغيير وهي حقيقة ما وصلت له المرأة الجزائرية اليوم، رغم ظلال مختبئة لازالت تقاوم في ظلها النسوة وفي صمت.
لتبقى المرأة عنوان مثير للدراسات وللكتابة عنها، جيلا بعد جيل، تتواصل الأقلام للتحري وللتحرير ما يخالجها وما تسعى إليه، ومن هنا الحديث عن موضوع المرأة يكتسي الكثير من الأهمية، وما جاء به الأدب إلا وشكل بذلك مساحة وفضاء أخر إلى جانب البحوث والقصائد والعروض المسرحية وكذا الأفلام السينمائية، فالمرأة تشكل محتوى عرض وكتابة مهم على أشكال مختلفة من كل الأجناس الإبداعية.
ويعد جنس الرواية أقدر الأجناس الأدبية على تصوير الواقع المرأة، مع القدرة على خلق عالم بديل عما هو واقع تنسبه للخيال، وداخل هذا العالم أو ذاك تكون المرأة الجزء الكبير والأهم فيه، فهي نقطة تمركز تجربة ثرية في المجتمع، إن لم تكن هي أساسها وهيكلها، لتحضر المرأة بروحها عبر حروف الرواية، لتكون بذلك أساس مهم لتكوين الحبكة السردية.
صارة بوعياد