إشراقة باريس الثقافية
يكتبها بوعلام رمضاني
حياة قاصدي ناشرة بحجاب لا يحجب عمى إريك زمور
لا جديد تحت ظلام المثقفين المزيفين كما جاء في كتاب باسكال بونيفاس، ولا أدل على صحة ذلك استمرارهم في شيطنة المسلمين بدعوى محاربة المتطرفين منهم، والمهاجرين الذين أصبحوا تجارة إيديولوجية مربحة ماليا وسياسيا في قنوات تلفزيونية تزرع الفتنة والتفرقة العنصرية دفاعا عن فرنسا ناصعة البياض حضاريا. هؤلاء لا يعرفون حتما، ولا تهمهم إعلاميا الحقائق المضيئة في حياة مهاجرين يشكلون قيمة مضافة محّددة إيجابيا لثقافة واقتصاد فرنسا.
الكاتبة والناشرة الجزائرية حياة قاصدي إحدى هذه الحقائق التي يطمسها ظلام المثقفين الإعلاميين الذين يجولون ويصولون في استديو حلقات التشويه والتسميم و التعتيم التي ينشطها باسكال برو بتوجيه من الملياردير المسيحي فانسان بولوريه الداعم لتوجهات اليمين المتطرف الذي اعترض على تمثيل فرنسا أوروبيا بمغنية فرنسية غير بيضاء مثل إريك زمور ومارين وماريون لوبان وجوردان بارديلا . هؤلاء الذين أصبحوا يدافعون عن الكيان الصهيوني ـ رغم أن فكرهم التاريخي محسوب على معاداة السامية ـ ، لا يعرفون أن كاتب هذه السطور العربي وغير الأشقر مثلهم، قد حاضر في نهاية السنة الماضية بقاعة كبيرة تابعة لمسجد يقع في قلب الأحياء الشمالية لهذه المدينة التي يقول عنها إريك زمور أنها وكر السرقة وبيع المخدرات والتطرف الإسلامي فقط .
لقد قمت بتغطية الملتقى الأول للغة العربية الذي تم تحت إشراف دار ” الأمير ” التي تديرها حياة قاصدي الكاتبة الجزائرية المتحجبة بحضور رجال ونساء جلسوا جنبا إلى جنب متابعين سلسلة من المحاضرات الفكرية الهامة، وناقشوا أصحابها بلغة موليير التي يتحدث بها إريك زمور ومن لفّ لفّه واقبلوا على شراء الكتب في غياب الخناجر والمسدسات والمخدرات، ولم تحدث جريمة قتل كان من شأنها استنفار قناة “سي نيوز” البولورية.
لقد جسدّ كل الذين حضروا التظاهرة من النساء المحجبات والسافرات والرجال الذين حضروا مرتادين بذلات غير إسلامية بالضرورة صورة سلوكية وأخلاقية وحضارية واجتماعية شامخة بتجليات تفوح بعبق السلمية والتحضر والمدنية بالشكل الذي يفنّد مزاعم إريك زمور .
السيدة حياة قاصدي تستحق تمثالا قبل رحيلها، إذا ما استندنا منطقيا وبروح موضوعية باردة ودون خلفية مصلحية إلى سياق الخطاب الإيديولوجي العنصري المتنامي عالميا ضد مهاجرين صنعوا رخاء مجتمعات غربية أصبحت ترى فيهم الخطر الوحيد في خلط متعمد وممنهج بين مواطنين من أصول أجنبية انحرفوا ويستحقون العقاب والطرد كما يحدث مع كل منحرف، وبين آخرين يشكلون أغلبية أكدت الدراسات والإحصاءات العلمية الجادة ” 1″أنها مازالت تخدم المجتمعات الغربية التي لجأت إليها هروبا من أنظمة سياسية قمعية ودموية يدعمها قادة أوروبا الديمقراطية مع شعوبها فقط .
حياة قاصدي، الناشرة الوحيدة في مرسيليا والإنتحارية ” الكاميكازية” والنادرة عربيا وأوروبيا، مازالت تزرع الثقافة والأدب لم تضع سكينا في جيوب حجابها (علما أن حجابها دون جيوب كما أظن)، ولا تشهر سيفا في وجوه معارضيها فكريا وسياسيا واجتماعيا، ولا ترمز حتما للخضوع و لسطوة الرجل كما تروج اليزابيت بادنتير وتنويرو التزييف باسم حداثة رثة ومعطوبة على حد تعبير المفكر العربي برهان غليون. سيقول عن الناشرة قاصدي كما قيل عن ناشرين فاسدين ووصوليين في خلط متعمد دون الإحاطة بمعطيات حياتها الخاصة والمهنية، و دون التوقف عند رمزيتها الأخلاقية والمبدئية بغض النظر عن عيوب ونقائص واردة تمليها تجربة فتية غي سياق ثقافي عربي وعالمي ينافي القراءة.
حتى اقطع الطريق على مرضى البغض والحسد والتشفي، وعلى المصطادين في الماء العكر، أؤكد قبل تفرغ ألستنهم لأكلي لحمي حيا، أن مقالي نموذج للصحافة الملتزمة والمهنية التي تضع معيار السباق والأهمية في سياقه الموضوعي بعيدا عن كل مصلحة شخصية. لقد كتبت طيلة حياتي المهنية عن نماذج تشبه نموذج حياة قاصدي. الناشرة الجزائرية المسلمة وغير الإرهابية والمتحجبة غير المتطرفة ، تعاني للمشاركة في صالون بلدها للكتاب ، ومن يشّكك في صحة كلامي، ما عليه إلا تصال بها فردا مستقلا كان أم جهة رسمية ما علما انها لم تظهر يوما ما موقفا عدائيا ضد مصالح ووحدة الجزائر بقدمها وجديدها تماما مثل كاتب هذه السطور .
عمى إريك زمور، يحيلني على رواية ” العمى ” للروائي البرتغالي الشهيرجوزي ساراماغو، وهي الرواية الذي أضحى فيها العمى رمزا للفساد الإنساني والأخلاقي والحقوقي وبالتالي السياسي. إنه العمى الذي أصاب شخصيات احتكت بالأعمى الأول في رواية الحائز على جائزة نوبل عام 1998، وهي الرواية الخالدة التي تجسد عمى دول غربية انتقلت إليها عدوى عمى أمريكا الداعمة للكيان الصهيوني حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
1 المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات الاقتصادية ( إينسي)، أكد ذلك في إحدى دراساته الهامة والجادة, Insee
امرأة فاضلة تخدم الثقافة والأدب الإنساني بإخلاص