تعرف الحرف أو الصناعات اليدوية التي تميز أجدادنا بإتقانها والتفنن بها، رواجاً واسع النطاق قديماً، نظراً لما تحتاجه من إبداع ومهارة بعيداً عن الآلات الحديثة. ولا تزال هذه الحرف حتى اللحظة تزاول مسارها في الأسواق الشعبية، إذ تعتبرمن التراث القديم وأسس العادات والتقاليد لكل دولة وشعب، ثم أن هذه الحرف التقليدية القديمة كانت ولا تزال حبل تواصل بين الأجداد والأبناء ووسيط بين الماضي والحاضر، حيث يحرص أهلها على التميز والابتكار دائما لمواكبة تطور اليوم مواجها صعوبات في شتى الحرف.
فما هي العراقيل التي تواجه هذه المهنة؟ وهل ما زالت هذه الصناعات اليدوية تصنع رواجا كما كانت قديما آم اصبح يُستخدم كلّما هو عصري؟
من إعداد: نسرين شبلال/ ياسمينة فراحوي
صناعة الدوم… حرفة تحاكي التاريخ يجتمع في معرض الحرف والصناعات التقليدية بقصر رؤساء البحر بالجزائر العاصمة مجموعة من الحرفيين تتفنن أناملهم في صنع أدوات تقليدية بلمسة عصرية كالقفف التقليدية التي تصنع من مادة الدوم بمختلف الأشكال كالقفة أو سجادا حتى المظلة، موروث حضاري تعاقبته الأجيال وبقي رمزا للأصالة الجزائرية منذ الأزل
. صرحت الحرفية ربيعة بتو في مجال الدوم تنحدر من مدينة البليدة لهنا الثقافة: “نحن كحرفيين نحاول إرجاع موروثنا الثقافي إلى الواجهة التي كان عليه في ظل ما كان يشهده من غياب، ولكن لو تحدثنا عن الأشهر الأخيرة نجد أن تراثنا التقليدي عاد إلى الواجهة بفضل المعارض المنظمة والمشاركة القوية للحرفيين، فضلا على وسائل الإعلام الذي أصبحت تروج لثقافة والهوية عمومًا، وبتالي عادت ذاكرة الناس إلى زمن الصناعة التقليدية”.
وأضافت في ذات السياق: “ولا يخفى أن للجزائر موروث ثقافي كبير وكل المواد الأولية متوفرة وبكثرة، حتى أصبحت هذه الحرف تجذب الناس للاحتكاك بها وصناعتها وبتالي أصبح إقبال كبير على هذه الحرف الذي تصنع من عمق التراث الجزائري.”
ونوهت الحرفية بتو بقولها: “القفة التقليدية حرفة ضاربة في عمق التاريخ الجزائري فجدي كان لا يذهب إلى السوق إلا بها، فبقيت فكرتها راسخة لدي بالرغْم أنني حرفية في عدة مجالات وأملي أن تترسخ في ذهن الآخرين لأننا نشهد انتسابها إلى دول أخرى وعليه لابد من احيائها بإضافة لمسة عصرية تواكب العصر”
الحلي التقليدي… حرفة بين الماضي والحاضر
قالت زهيرة طاوش حرفية حلي تقليدي وتنحدر من مدينة وهران: “بالنسبة لي كحرفية في صناعة الحلي التقليدي أرى إقبالا لا بأس به مقارنة بالأعوام الماضية نظرا لغلاء الذهب والفضة فهما يشهدان ارتفاعا جنونيا، والبديل هو اقتناء الحلي الذي يكون بأقل تكلفة. وإضافة على ذلك الإبقاء على الطابع والموروث الجزائري والمحافظة عليه مع إضافة بصمة عصرية بالطبع لتواكب العصر.”
وأضافت: “على الرغْم من قلة المواد الأولية التي نواجه صعوبات في الحصول عليها وعدم توفر الأماكن المخصصة لعرض البيع، وإن وُجدت تكون بسعر مرتفع جدا بالرغم من وجود الكثير من الحرفيين والحرفيات في هذا المجال يعانون في صمت من مشكل البيع والترويج، نحن نطالب بالمزيد من المعارض لنتمكن به التسويق والترويج لتراثنا الذي يتميز ببصمة كل فنان “.
الكروشي… فن الأنامل
قالت نوال حداد المختصة في فن كروشي ونتحدر من مدينة البليدة: “إن الحرف تستقطب الكثير من الناس سواء كانوا الأجانب أو الجزائريين، وأنا كحرفية مختصة في كروشي هدفي هو التعريف بهذه الحرفة كموروث ثقافي حضاري وتعليمها لبنات اليوم لكي تبقى متوارثة من جيل لأخر لأنها في الوقت الحالي أصبحت نادرة وهذا راجع إلى نقص الدعم والترويج، وأتمنى أن تكون هناك مراكز حرفية كبرى مختصة تراعي مثل هذه النشاطات من أجل تسهيل الإنتاج والتسويق”.
” الكي على الجلد … حرفة تقليدية ببصمة عصرية”
وفي نفس السياق قالت كتيبة لعروسي المختصة في حرفة الكي على الجلد :”إن الإقبال على الصناعات التقليدية في تزايد مستمر، فالشباب اليوم يميلون لكل ما تقليدي ويفضلون الأعمال اليدوية، أما بالنسبة إلى حرفة الكي على الجلد هي حرفة نادرة غير منتشرة مع أنّ وجد المواد الأولية مقارنة مع حرفة الكي على الحطب فهي كثيرة الاستعمال”.
نجد أن الصناعات التقليدية هي مكون من مكونات الحضارة التي ينتمي إليها هذا الوطن، فالحضارة الطينية، على سبيل المثال، أنتجت المصنوعات الفخارية، والحضارات التي نشأت في بيئة جبلية تشكلت فيها المنحوتات الحجرية والخشبية، سواء للاستخدام اليومي أو الزينة، أما الحضارات الساحلية استمدت صناعاتها من حاجتها لعبور البحار.
ولهذا دخلت تلك الصناعات، أو الحرف، أو المهارات اليدوية من باب التراث لكنها أيضا كانت ولا زالت تمثل جانبا مهما في الدورة الاقتصادية لهذا البلد. غير أن هذه الحرف تكافح اليوم على أكثر من جبهة، أولها انصراف الناس عنها إلى ما وفرته التكنولوجيات الحديثة من بدائل، وثانيا تخلي أكثر العاملين في هذا القطاع عن مهنهم التقليدية بحثا عن مصادر للرزق أوفر وأيسر، وثالثا قلة التسويق والترويج، وعلى الرغم من كل هذا لم يستطيعوا حرفيي اليوم الاستغناء على ما تصنع أياديهم ويواصلون نقل تراث أجدادهم.