قصر الرياس جوهرة تراثية جزائرية

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

تعتبر القصبة القلب النابض للجزائر العاصمة وهي واحدة من أبرز المناطق التاريخية والأثرية في الجزائر، يلقبونها “عروس البحر الأبيض المتوسط ” أو “لؤلؤة البحر الابيض المتوسط ” نظرا لموقعها الاستراتيجي الذي كان له دورا مهما بالنسبة للأحداث التاريخية التي مرت بها الجزائر

يعود بنائها إلى العهد العثماني في القرن 16 ولاتزال تصارع من أجل البقاء بالرغْم ما وجهته من أحداث مرت عليها البلاد منذ مئات السنين، لتصبح اليوم أحد أهم المناطق السياحية في الجزائر نظرا لقيمتها التاريخية والحضارية.

روبورتاج: سرين عليلي

تضم القصبة عدة قصور من بينها قصر الرياس أو ما يسمى بالحصن 23 الذي يمثل أحد أهم المعالم التاريخية لمدينة الجزائر العاصمة، كما يعتبر رمز الهوية الجزائرية وجزء لا يتجزأ من تاريخها العريق

يتميز قصر الرياس بطراز معماري خاص جعلته يبدو كتحفة فنية، إضافة إلى وجوده في أجمل المواقع المطلة على البحر .

قصر رياس البحر إرثا معماري لازال يعانق التاريخ ويخشى مفارقته

يوجد في قلب الجزائر العاصمة في الجهة السفلى من القصبة قصر بقي صامدا امتد عبر احقاب من الزمن، عرف كل مراحل الحضارات والثقافات ولازال شاهدا على أصالتها، يتوسط بلدية باب الوادي وساحة الشهداء يقع تحديدا في شارع عمارة رشيد بالجزائر العاصمة

يتمثل في بناية عملاقة وشامخة تشكل تحفة فنية معمارية فريدة من نوعها، وما زادها جمالا ورونقا اطلالتها الساحرة التي تلامس بجدرانها المتينة مياه البحر الدافئة انه “قصر رؤساء البحر ” (حصن 23) جوهرة معمارية جزائرية مصنفة في قائمة التراث العالمي لليونيسكو منذ سنة 1992

يتميز بموقع استراتيجي لعب دورا مهما في حماية البلاد من العدوان الخارجي، وأصبح اليوم وجهة سياحية تبهر الزوار بكل ركن من أركان القصر الذي يروي قصة حيكت مع التاريخ منذ قرون ولاتزال إلى اليوم تأبى الاندثار.

تاريخ بناء قصر الرياس وفضاءاته الداخلية

يعود تاريخ بناء القصر إلى تشييد برج الزوبية سنة 1576 أي خلال العهد العثماني من طرف الجزائريين بأمر من “رمضان باشا ” بهدف تعزيز الدفاعات البحرية وحماية الجهة الغربية الشمالية لمدينة الجزائر من أي غزو خارجي، وقد استمر بنائه مدة عرفت كل مرة توسع و تطور

يتكون قصر الرياس من عدة قصور تحمل أرقام 17، 18، 23 و 6 منازل تعرف ببيوت الصيادين بسيطة في تركيبتها المعمارية والزخرفية، مسجد قاع السور الذي كانت تأدى فيه الصلاة ويعلم فيه القرآن

والأروقة المغطاة تدعى ” بسباط الحوت ” بها مقاعد للجلوس من مادة الأردواز وأيضا نافورة، في الجهة الأخرى نجد البطارية أو ما تعرف بالطبانة تعتبر مركز دفاعي وموقعها استراتيجي دورها حماية المدينة وهي أول ما شيد في القصر.

قصر الرياس تحفة تتميز بالبساطة والجمال

لازال القصر يحافظ على شكله القديم، فالمتجول في ارجاء القصر عند تأمله في الزخرفة و الديكور لحصن 18، 23 و 17 يلاحظ الاختلاف على القصور الثلاث، غير أنهم يشتركون من ناحية البساطة والجمال

بدأت هنا الثقافة زيارتها لهذا المعلم التاريخي من قصر 18  المعروف ” بقصر مامي ” نسبة إلى ” مامي اناؤوط ” من أشهر رياس البحرية الجزائرية التي أقام في الحصن في القرن 16، يقع قصر 18 عند المدخل الرئيسي للقصر، شيد سنة 1750 واشتراه الداي ” مصطفى باشا” ليصبح مقرا له بداية من سنة 1800

يتميز بواجهته المبنية من حجر المرمر الثمين، كما يعتبر فخما نظرا للشخصيات ذات الأسماء الثقيلة التي استقرت فيه، فخلال فترة الاحتلال الفرنسي أصبح مقرا للعديد من الشخصيات منهم: قنصل الولايات المتحدة الأمريكية

تعرض قصر 18 إلى عدة تغييرات من بينها الفسيفساء التي نجدها في الصالون الصغير، بجواره قصر 23 و 17 حيث نجدهم أكثر تواضعا وهذا يعود إلى أنه خلال العهد العثماني كان ملجأ يستقر فيه الخدم وعائلات بسيطة، فنجد قصر 23 أقل زخرف، وبعد الاستقلال أصبح مقرا للعديد من العائلات الجزائرية حتى سنة 1981 أين اخلى من السكان بهدف ترميمه من طرف وزارة الثقافة

مرورا بالأروقة المغطاة، دويرات والمسجد نصل الى قصر 17 حيث يعتبر أقل حجما ويتميز بزخرفة معمارية بسيطة الى جانب بعض الاثار الرومانية.

الفضاءات الداخلية لقصر الرياس

قصر الرياس مجمع عمراني كبير يحتوي على فضاءات داخلية تتمثل في:

السقيفة: هي بمنزلة قاعة الاستقبال، كان يستقبل فيها الباشا أو صاحب الدار ضيوفه، تحتوي على ثلاث أبواب، بها أماكن للجلوس مبلطة بمادة الأردواز

نجد على جدرانها مربعات خزفية مدعمة بأعمدة كلسية، تعلوها أقواس على شكل مقبض قفة، بلطت أرضيتها بقطع من الرخام، سقفها عبارة عن عقود متشابكة على شكل انصاف اقواس، مزينة بثريات من النحاس وهي الحد الفاصل بين خصوصيات البيت وخارجه.

وسط الدار: أو ما يعرف بالصحن، فضاء واسع مربع الشكل يحيط به أروقة محمولة بأعمدة رخامية، زينت أرضيته بقطع سداسية الشكل من الرخام الأبيض وكسيت جدرانه بالبلاطات الخزفية، كان يستغل من طرف نساء القصر للأشغال اليدوية، المنزلية وإحياء المناسبات.

البيوت والغرف: توجد أربعة بيوت تميزت بشكلها المستطيلي وسقفها الخشبي بها سدة لوضع سرير النوم اسفله مخزن، كما تحتوي على خزائن جدارية يعلوها القبو، توجد به نافذتين تطل على الصحن، تعتبر الغرفة مكان للجلوس كذلك.

المطبخ أو ما يعرف بالخيامة: تحتوي على قاعتين، الأولى بها افران تقليدية من مادة الاردواز، تعلوها مداخن للتخلص من بخار الطهي وفي اسفلها فتحات لوضع الخشب الذي بواسطته يسخن الحمام متصلة برواق يبعث بخار الماء للحمام بهدف تسخينه، أما الثانية فهي مخصصة لحفظ المؤونة.

بيت الصابون او بيت لغسيل: نجده بجانب المطبخ هو غرفة لتخزين المياه صنعت من مادة الفخار وتستغل في..وآخر جب متصل بقنوات تخزين مياه الامطار.

الكنيف (بيت الماء): يقابل بيت الصابون، به حوض ذو طابع عثماني، ارضيته من مادة الاردواز مزودة بتقنية لصرف المياه ونافذة صغيرة للتهوية.

الحمام: به ثلاث قاعات القاعة الساخنة مخصصة للاستحمام والاسترخاء، أما الثانية دافئة يستريح فيها المستحم والثالثة القاعة الباردة.

السطح: يحتوي على فضاء مغطى يدعى المنزه، يتميز باطلالته على البحر وأحياء العاصمة هو مكان للجلوس والاستمتاع بالمناظر الخارجية.

الدويرة: توجد في المنزل غرفة معزولة عن القصر كانت مخصصة للخدم او الضيوف تحتوي على خزائن جدارية وقبو.

غرفة الأكل: توجد بقصر 18 سقفها اصلي ملون بتقنية مختلفة مزخرفة بأشكال نباتية، هندسية، حيوانية و فواكه منقوشة عليه، به خزائن جدارية مخصصة للأواني ورفوف للتزيين

من حصن 23 إلى مركز الفنون والثقافة

اطلق على قصر رياس البحر تسمية ” حصن 23 ” من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية، إذ استطاع هذا الأخير أن يقاوم التغييرات التي طرأت عليه بفعل العامل البشري و الطبيعي، سنة 1987 إلى غاية 1992 شهد القصر ترميما بالكامل من طرف شركة ايطالية (SCI-MB) المختصة في ترميم المعالم الأثرية بمشاركة جزائرية مع مراعاة الطابع المعماري الاصلي للمبنى، ليصنف بعدها ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو سنة 1992، ودشن قصر رياس البحر(الحصن 23) في الفاتح نوفمبر 1994 كمركز للفنون والثقافة.

قصر الرياس جوهرة تراثية جزائرية تمثل أحد شواهد الماضي

مرت الجزائر بعدة مراحل تاريخية، وكان قصر الرياس شاهدا على بناء تاريخ الجزائر العظيم الذي يعود إلى قرون، لعب هذا المكان الأثري الصامد دورا مهما في حماية الجزائر من العدوان الخارجي، ليصبح إحدى اشهر الوجهات السياحية في الجزائر حاليا يعرِّف المجتمع الحديث على تاريخ و أصالة بلده.

باعتباره مركز الفنون والثقافة تتمثل مهامه في تنظيم تظاهرات ثقافية علمية، زيارات بيداغوجية و رسمية، ندوات ورشات، بالإضافة إلى معارض تشكيلية وتاريخية من أجل رفع الوعي الثقافي لدى المواطنين، ومنه حماية هذا المنزل الموريسكي التاريخي وترويجا للتراث.

يعرف قصر رياس البحر يوميا تواجد الزوار من مختلف الفئات العمرية من داخل وخارج الوطن للتعرف على تاريخ الجزائر والتمتع بهذه التحفة المعمارية واطلالتها الساحرة.

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x