وُلِــدَ الهُــدى فَالكائِناتُ ضِيــاءُ وَفَمُ الزَمـــــانِ تَبَسُّمٌ وَثَـنــاءُ.
الروحُ وَالمَــلَأُ المَلائِكُ حَــولَهُ لِلـــدينِ وَالــدُنيــا بِهِ بُشَراءُ.
وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ.
وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا بِالتُــرجُمـــانِ شَذِيَّةٌ غَنّـــاءُ.
وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ وَاللَـــوحُ وَالقَلَمُ البَديــعُ رُواءُ.
لم تكن كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي في حب المصطفى عليه السلام سوى تجسيد لحالة العشق الأبدي لصاحب المقام المحمود.
مولد خير البشر
في هذا اليوم ولد خير الأنام وخاتم الأنبياء وأشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، المصادف لـ 12 ربيع الأول عام الفيل في مكة المكرمة بشعب بن أبي طالب التي أضاءها بحسن خَلقه وخُلقه.
كان صلى الله عليه وسلم بمنزلة الشمس الذي أنارت درب الأمم ورمز الأمل لتغيير الدنيا والقضاء على الجهل والظلم الذي كان سائدا في ذلك الوقت، كان مولده عليه أشرف الصلوات مصادفا للعام نفسه الذي نجّى الله تعالى بيته الحرام من شرّ أبرهة وجيشه بمعجزة طيور الأبابيل التي قضت على فيلة أبرهة.
كانت ولادته الشريفة مشعلا من مشاعل الهداية والنور للعالم بأسره، فقد جاء صلى الله عليه وسلم ليرسم للبشرية طريق الفلاح والنجاح في هذه والدنيا والفوز بالجنة في الآخرة، وعليه يعتبر هذا الحدث مرحلة جديدة من تاريخ الإنسانية لتهذيب عقولهم و سلوكهم نحو العدل والخير والسعادة، وكذا حب الله تعالى وعبادته وشكره على كل نعمه الكثيرة التي وهبها إيانا.
مسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
ابتدأ مسيرته عليه أفضل الصلوات كراعي غنم ثم انتقل بعدها للتجارة حيث عُرف بين أهل قريش بأمانته فلقب بالصادق الأمين. تزوج السيدة خديجة بنت خويلد وهو في 25من عمره حيث كانت رضي الله عنها صاحبة تجارة ومال وكانت أول من آمن به من النساء.
نزل عليه الوحي عند بلوغه الأربعين بغار حراء عن طريق جبريل عليه السلام وكان أول ما نزل بداية سورة العلق اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
واستمر الوحي بعد ذلك في النزول مدة ثلاثة وعشرين عاما. إذ بدأت دعوت النبي صلى الله عليه و سلم للإسلام سرا وبعد ثلاث سنوات أُمر بالجهر بالدعوة.
بدأ الإسلام بالإنشار شيئا فشيئا في مكة، وبدأ مع ذلك النزاع بين قريش والمسلمين مما جعله يخرج بالمسلمين إلى يثرب (المدينة المنورة)، ومضت السنين حتى هاد الرسول صلى الله عليه وسلم فاتحا إلى مكة المكرمة وذلك في السنة العاشرة الهجرة، وهكذا أتم الله نصر المسلمين بعد أن كانوا مستضعفين في الأرض.
وفاة الرسول محمد صلى الله عليه و سلم
كان وفاة خير الأنام ونبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم في السنة التالية من عام الفتح، إذ وافته المنية عن عمر ناهز 63سنة، والمصادف ليوم الإثنين 12 ربيع الأول من السنة الحادية عشر للهجرة تاركا ورائه قيما وأخلاقا نبيلة زرعها في قلوب المسلمين يورثونها جيل بعد جيل، فقد كانت سيرته العطرة سبب محبة الناس له وسببا في دخول الكثير من الصحابة للإسلام فقد صدقوه وآمنوا بدعوته فكانوا نواة الدولة الإسلامية وشعلة الإسلام الأولى.
إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف لدى الجزائريين
تعتبر ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم مناسبة لا يمكن لأي جزائري المرور عليها، بل هي فرصة للفرح واستذكار مآثر ديننا الحنيف وسيرة المصطفى وأخلاقه السامية، وكذا غرس أخلاق المسلم الصالح في النشء، فهي فرصة ليزيد تمسك الناس بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والسعي للسير على نهج النبوة.
الثراء في شعائر الاحتفال بالمولد النبوي
وهي مناسبة تحمل معها مشاعر الفرح لدى المسلمين في جميع أنحاء العالم حيث تختلف ماهية وكيفية الاحتفال بين المسلمين حسب الأمكنة والثقافات والعادات والتقاليد فقد تتنوع مظاهر الإحياء ما بين دولة وأخرى ومدينة وغيرها، ورغم هذا الثراء في شعائر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وتعدد مظاهره غير أن هناك رابط واحد يجمعها وسحابة كبيرة تظلها ألا وهي حب النبي صلى الله عليه وسلم.
ومع حلول ليلة المولد النبوي تنبعث روائح البخور من البيوت والمحلات إيذاناً ببدء الاحتفال بهذه المناسبة الدينية المقدسة، ولا يكاد يخلو منزل جزائري من الشموع. ووفق عادات قديمة، فإن إشعال الشموع في ليلة المولد النبوي مع ترديد أنشودة “طلع البدر علينا” عادة إلزامية لا يمكن تجاوزها أو حذفها من برنامج الاحتفاء، وهي ترمز إلى إخراج الإسلام البشرية من الظلمات إلى النور.
الرشتة والطمينة تزين المائدة الجزائرية
دون أن ننسى زيارة الإثارة وتبادل التهاني بينهم بحلول هذه المناسبة، فلا يكتمل المولد النبوي دون أن تكون العائلة الجزائرية مجتمعة على مائدة واحدة التي تكون عامرة بعدة أصناف تقليدية، تقدم خصيصا في هذة المناسبة من أشهرها أكلة «الرشتة» وهي من الأكلات التي تشتهر بها الجزائر.
وفي شرق يعتبر طبق “الشخشوخة” التقليدي الأكلة المفضلة والمخصصة لذكرى المولد النبوي، دون أن ننسى الكسكسي بالمرق الأحمر أوالأبيض حسب كل منطقة، وأشهى وأشهر المأكولات الجزائرية التي تكون حاضرة في جميع المناسبات ولا تخلو المائدة الجزائرية من أطباق الحلوى، التي يتصدرها في تلك المناسبة الكريمة حلوى “الطمينة” وهي مصنوعة من الدقيق والعسل والزبدة، وكذالك “الرفيس” وبعض الحلوى والمكسرات التي تقدم مع الشاي بعد المأدبة في سهرة مسائية مصحوبة بترديد الأناشيد الدينية وقراءة الأذكار والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم لنيل شفاعته يوم القيامة.
إلى جانب تلاوة الأحاديث الشريفة وسرد مسيرة الرسول وتعليمها للأطفال ليتعرفوا إلى نبيهم وهادي الأمة، لتمسوا أيضا حلاوة أخلاقه بقلوبهم ويتمثلون بطباعه السامية في معاملاتهم.
ربط الحناء للأطفال عادة الاحتفاء بالمولد النبوي
ليختتم الحفل بربط الحناء لجميع العائلة في أجواء إيمانية بعيدا عن ضرر المفرقعات. حيث لا تخلو البيوت الجزائرية من قعدة المولد النبوي الشريف من الزي التقليدي الجزائري كالقفطان الجزائري والكاراكوا والجبة القبائلية والملحفة الشاوية للأطفال والنساء وهي فرصة للحفاظ والترويج للباس التقليدي الجزائري، مع تبادل التهاني بكلمة “صحا مولودكم”.
سهيلة فرحون