يقال أن الشغف هو الوقود الذي يحركنا من الداخل والإنسان الشغوف هو من يسعى دائما وراء أحلامه وطموحاته مطلقا العِنان لأفكاره فالشخص الطموح لا يشيخ أبدا، عصام تعشيت ممثل مسرحي ومخرج سينمائي جزائري ومحافظ مهرجان ايمدغاسن طموحه جعل منه شعلة يستحيل إطفاءها، جعل الصعبة سهلا والمستحيل ممكنا، إذ صرح الفنان عصام تعشيت في حوار مع “هنا الثقافة” أن الوضع الحالي للفن والثقافة والسينما لا تبشر بخير، بعض الأعمال السينمائية المدعمة في كل عام يتقاتل عليها مجموعة كبيرة من السينمائيين وهي لا تكفي مما يجعل جل من السينمائيين عاطلين من العمل.
حاورته: سهيلة فرحون
أولا كيف كانت بدايتك مع المسرح؟
بداياتي كانت بدار الثقافة حيث أننا كنا الفِرْقَة الرسمية لدار الثقافة باعتبارنا كنا ننشط بورشة المسرح وقد قدمنا بعض المسرحيات من بينها مسرحية “المعطف” للكاتب الروسي نيكولاي غوغل ومسرحية “نزهة في ميدان معركة” للكاتب الاسباني فيرناندو اربال، حيث توجت المسرحيتين بالمهرجان الوطني للمسرح الامازيغي، وكانت المسرحيتان اللتان كانتا انطلاقتي بالمسرح سنوات 2008 /2009.
وبعدها كانت بداياتي مع المسرح الجهوي باتنة مع المسرحية التي توجت بها كأحسن ممثل بالمهرجان الوطني للمسرح الامازيغي بعنوان “ايكنكر” للمخرج سمير اوجيت وبعدها مسرحية “الصوت” للمخرج علي جبارة ومسرحية “المذنبون” للمخرج احمد العقون ومسرحية اسدال نواوال للمخرج شوقي بوزيد ومسرحية قمرة الاميرة لماجد كويتان ومسرحية و”زيدلي نزيدلك” للمخرج فوزي بن براهيم ومسرحية ليلة غضب الالهة للمخرج “مرير جمال”، ومسرحيات أخرى مثل مسرحية شاكازولو للمخرج علي جبارة التي نلت جائزة أحسن ممثل بجائزة رئيس الجمهورية، كما كانت لي بعض التجارب الاخراجية التي العمل عليها مثل مسرحية المخيم و مسرحية كوميديا الايام السبعة، وتوجت بجوائز كثيرة بالتمثيل بمهرجان الوطني لمسرح الطفل كأحسن ممثل، وتجارب أخرى مع جمعيات من مدينة تيزي وزو وغيرها …
يقال إن الرسم تجسيد للجمال والمسرح تجسيد للأفكار فماذا علمك المسرح وما الأثر الذي تركه فيك؟
المسرح محاكات للروح والجمال، حيث إن المسرح ترك اثره الكبير في شخصيتي وأعطاني نموذج للحياة ونحت شخصيتي بكل تفاصيلها، ويحسسك أنك انسان فوق العادة، حيث ترك بصمة في كل مكان تحل به، وتحاول أن تجعل الجمال في كل مكان، المسرح شيء جميل وممتع ويطهر النفوس من الحقد والغل والنميمة، ويحاول أن يوحد النفوس مع بعضها ليحل السلام النفسي لكل الأشخاص ولهذا كنت من بين الفنانين المولعين بفن المسرح الذي ترك ويترك وسيترك الجمال والحس الجميل داخلي وأيضا الأفكار والفلسفة الجميلة للحياة.
من ممثل مسرحي إلى مخرج سينمائي كيف كانت هذه الانتقالية وهل كانت فيها صعوبة بالنسبة إليك؟
بكل صراحة الفن المسرحي والاخراج السينمائي هي فنون غير بعيدة عن بعضها، وأكثر فنين محبوبين لي، لهذا كانت تجربتي المسرحية جميلة وأيضا تجربتي الاخراجية أجمل، حيث لم تكن صعوبة كبيرة بين انتقالي من التمثيل إلى الإخراج بالصعبة رغم اني ما زلت ولا أزال وسأظل أمثل المسرح في كل الأعمال التي يتم طلبي فيها، أما السينما شيء كبير بالنسبة لي، لأني قمت بدراسة الاخراج السينمائي تكوينات وتربصات كثيرة في هذا المجال، وأول تكوين قمت به هو شهادة محترفة في الاخراج السينمائي بمعهد سيني كور الكندي، وهذا ما زاد تحفيزي أعمال سينمائية دون اهمال الجانب التمثيلي بالمسرح أو السينما، حيث تمثيل بعض الأفلام السينمائية مثل فيلم بن باديس للمخرج السوري باسل الخطيب وفيلم نقطة نهاية، 1 نوفمبر للمخرج احمد راشدي والفيلم التليفزيوني اسد مستاوة للمخرج حسين ناصف، و كل هته الأعمال لم تبعدني عن المسرح اطلاقا وانما أجدهما شيئيان مكملان لبعضهما البعض.
شاهدنا أنك عملت بتقنية جديدة stop-motionفي فيلم ليلة بيضاء فهل تلقيت فيها صعوبة خاصة أن الحقبة كانت في زمن الحجر الصحي ؟
بطبيعة الحال كانت مدّة عصيبة بالنسبة لكل انسان تلك اللحظات من مرض كورونا الذي جعلنا نتوقف عن كل ابداع، لكن لم يتوقف تفكيرنا بإيجاد حل لكسر تلك المدّة من الحجر الصحي، وجدنا أنه من غير الممكن أن إنتاج عمل سينمائي بتصوير في بلاطوهات خارجية، فكرنا بالدخول لاستوديوهات للإنتاج عمل سينمائي بتقنية الستوب موشن وهي تقنية صعبة جدا، حيث تعتبر تقنية لتصوير افلام الانيميشن، اضطررنا إلى إنجاز ديكورات داخل الستوديو إنتاج واحد من اجمل الافلام الانيميشن بعنوان “ليلة بيضاء”، وكانت مدّة 4 اشهر ونصف وقت الانتاج من بدايته إلى نهايته، وتوج بجوائز عدة في كل القارات العالم، وهذا العمل هي تجربة اولى في تصوير الافلام الرسوم المتحركة، كانت تجربة مفيدة جدا وتعرفنا إلى طريقة العمل عليها والأن نستطيع القيام بها بطريقة سهلة جدا …
هل تلقيت الدعم في المجال السينيمائي؟
صراحة ولا مرة تلقينا دعما من أي جهة في المجال السينمائي للأسف، وكل الافلام التي إنتاجها كلها مدعمة من مالنا الخاص، حيث نوفر بعض المال للإنتاج اعمالنا، لم نتلق أي دعم في السينما رغم ان كل أعمالنا متوجة عالميا، وقد توجنا بفيلم “هيومان” بـ 25 جائزة دوليا وفيلم “ليلة بيضاء” بـ 12 جائزة دوليا، ومع كل هذا النجاح لم نتلق أي دعم، وهذا لن يوقفنا وإنما إنتاج فيلم أخر في القريب العاجل.
حدثنا عن فكرة انطلاق مهرجان ايمدغاسن الذي حقق نجاحا في طبعاته الثلاث؟
فكرة مهرجان ايمدغاسن استنبطت من تجربتنا في المشاركة في المهرجانات السينمائية العربية والدولية التي اعتبرها كانت مهرجانات ضخمة جدا، وشخصيا كنت أتمنى أن أرى مهرجان جزائري يضاهي بعض المهرجانات العربية والعالمية، لهذا كنا نتوق للوقوف على فكرة مهرجان ايمدغاسن ومع مجموعة من الشباب السينمائي والطموح، وإن الطبعات الثلاثة كانت ناجحة بكل المقاييس.
اسم مهرجان ايمدغاسن السينمائي الدولي معروف عبر العالم وعند كل السينمائي وهذا فخر لنا، ووجد أفلام سينمائية عالمية بالمهرجان شيء مهم جدا ايضا، وحققنا نجاح في وقت قياسي، ثلاث سنوات فقط، شيء يشرف الوطن ويشرفنا نحن ايضا، هذا المهرجان الذي بدأ صغيرا والأن هو واحد من أهم مهرجانات الوطن، سيبقى واجهة السينما بالجزائر والسينمائيين أيضا، وهذه الفكرة نريد تطويرها للأحسن إن توفرت الظروف الحسنة، ولن نبخل في تقديم الشيء الجميل للجزائر، حيث سيكون بمدينة باتنة اجواء لا تنس، من احتفالات وسينما وضيوف وسياحة وايصال صورة الوطن والاوراس لأبعد منطقة، وهذا مبتغانا، حيث نأمل أن تصبح باتنة وجهة السينمائيين ومنطقة لتصوير الأفلام …
وهل تلقى المهرجان الدعم أم أن الدعم يبقى غير كافي في رأيك؟
أتكلم بصراحة، مهرجان ايمدغاسن تلقى دعم من الجهات المعنية في طبعته الثانية فقط، أما الطبعة الأولى والثالثة لم يتلق دعم للأسف، لكن جلب بعض الموارد من جهات أخرى من شركات الخواص وأيضا بعض من مؤسسات العمومية، ويبقى الدعم هاجس المهرجان، لأن الدعم هو من يجعلك تحلم بجلب الفنانين من كل أنحاء العالم، ولهذا طلب الدعم من كل المؤسسات والخواص، للارتقاء بالمهرجانات والسينما بالوطن.
الثالثة كانت مميزة انطلاقًا من استحداث مسابقة ايمدغاسن كيدس فما هي الاضافات التي تعمل عليها في الطبعة الرابعة؟
المهرجان يحاول كل دورة استحداث شيء خاص به من خلاص اضافة أمور جديدة للأطفال لأنهم يشكلون المستقبل بالنسبة لكل قطاع، وأيضا التركيز على الطفل لأنه هو الذي سيترك استمرارية الشيء تستمر لأطول وقت ممكن.
تركيزنا على ورشات التكوين ايضا مهم بالنسبة لنا لتكوين جيل أخر في السينما الارتقاء بالسينما الجزائرية للعالمية، وأيضا نحاول أن العمل على تطوير امكانيات المنظمين وأعضاء المحافظة مستقبلا في التنظيم وأيضا العمل على استحداث سوق ايمدغاسن بالمهرجان، حيث ان سوق السينما يحتاج دعم كبير، وتوفر المورد المالي يجعلنا نجلب منتجين ومخرجين وكتاب سيناريوهات سينما للمهرجان ونقاد لخلق هته السوق مثل كل المهرجانات الدولية.
ما هي طموحاتك مستقبلا وهل لك رغبة في العمل خارج الجزائر؟
صراحة أملك رغبة كبيرة وأنا في تفكير كبير بالعمل خارج الوطن، لأن الوضع الحالي للفن والثقافة والسينما لا يبشر بخير، بعض الأعمال السينمائية المدعمة في كل عام يتقاتل عليها مجموعة كبيرة من السينمائيين التي لا تكفي، يجعل من السينمائيين عاطلين من العمل، و كل هذا لو قارنا الأعمال السينمائية في الدول الشقيقة فقط فنرى آن فنانيهم يعملون ولهم كم هائل من الانتاجات، وهذا ما جعل مجموعة كبيرة من السينمائيين الجزائريين يهاجرون لدول أخرى، ويتركون الجزائر.
وأنا الأن في تفكير دائم بالهجرة من الجزائر، لأن الوضع سيء جدا، حيث ان العوائق التي واجهتنا في تنظيم مهرجان ايمدغاسن هذا العام كبيرة جدا لم نتوقع أن نواجه كل هذا التكسير الذي لم نعرفه في الدورات الأولى، لكن سنكون أكثر قوة وأكثر عزيمة العام المقبل، حيث سنترقب تكسير كبير لكن نحن جاهزون لأي جزئيات، ونحاول إن ننظمه احسن تنظيم …
هناك العديد من الشباب اليوم لديهم رغبة في ولوج عالم المسرح والسنيما فما هي النصيحة التي تقدمها لهم؟
صراحة الانسان يبقى يأخذ النصح ولو كبر لأن العمر ليس مقياس وإنما الخبرة وتجربة من تعطيك النصيحة، فنصيحتي لهم وحسب خبرتي القصيرة، ان يلجؤوا إلى لتكوين في المجال السينمائي حتى يدخلوا هذا العالم الصعب بكل قوة، ليس الصعب في العمل السينمائي وإنما المجال بحد ذاته والمحيطين به سيحاولون تكسيره في أول بداية له، الفشل ممنوع والانبطاح محرم، الانكسار يَجِبُ ألاّ يجعلك تنبطح، وإنما العكس يبنيك ويضع لك الحجارة لتشيد أكثر، وبالتكوين ستكون بعيد من التكسير وفرض شخصيتك يجعلك تواصل دون توقف، وأتمنى أن تفهم من الشباب بمعانيها الحقيقية.