الرواية: غربة الساق
الكاتب: صالح عزوز
دار النشر خيال للترجمة
ربيعة بطلة رواية غربة الساق للكاتب والصحفي الجزائري صالح عزوز، الشخصية التي تعيش الدوار المكان الذي تحكم فيه المرأة بالموت في مهدّها حيث يتصف فيها رجل الدوار بالجهل فيجد الأنثى فضيحة حين تلد، وفضيحة حين تكبر وفضيحة وعار حين تتزوج وتنجب لزوجها ولدوار أنثى مثلها ليحكم عليها بالنبذ والطلاق في الكثير من الأحيان.
حياة ربيعية التي نبذها والدها ولطالما كان قاسيا على أمها، التي وفتها المنية تاركة وراءها جرح زمانها ابنتها ربيعة الفتاة العرجاء التي تكبر بين ديار زوجات أعمامها، وحين وفاة والدها تعيش عند زوجة خالها، وهنا الفتاة الرضيعة كبرت وبدأت تظهر عليها ملامح الأنوثة التي بسببها يوقفها والدها عن الدراسة بعد انتقالها قاصدًا للطور المتوسط.
ربيعة الكفاح من أجل البقاء
لم تتحمل ربيعة نظرات زوجة خالها الذي تترقبها كما يترقب الذئب بفريسته فحملت أشياءها وانطلقت ذا صباح إلى دوار والدها لكن لم تذهب عند أعمامها ولا إلى بيتهم الذي عاد مكان للأغنام بعدما استولوا عليه. بل عند الغريب الذي كان سندها وهو منقذ أمها من الغرق في الوادي وهي على كتفها رضيعة، وانقذ والدها من الخنازير في الغابة.
“تنام الأحزان بالقرب منا، وتستيقظ حين نريد أن ننام، مهما تظاهرنا بأننا تجاوزناها، فلا يمكن لنا أن ننكر أنها تقفز على صدورنا حين نغفل في وحدتنا، نحس في بعض الأحيان بأنها تريد أن تخنقنا في الظالم والعزلة، فنهرول بحثا عمن ينقذنا منها، ولو بالكلام إلى من يسمعنا. بعض الذكريات الأليمة، لا يمكن للدموع أن تمحو آثارها من أنفسنا، إنها تركت وخزا عميقا في صدورنا…”ص 102
سكنت ربيعة إلى الغريب في الغابة فأدخلها بيته ورحبت به زوجته العجوز، لكن بعد مدة حان وقت الرحيل إلى القرية لأن الغابة ليست مكانا آمنا لها، أخذها الغريب إلى بيت في القرية ليست ببعيدة عن الدوار، ليسكنها بيته إلى جانب قريبته.
تعرفت ربيعة إلى وردية وحدة، وردية المرأة العانس الذي تعنتي بوالدها المقعد، صارت مع الوقت الأخت الذي لم تنجبها لها أمها وانجبتها لها الحياة، وحدة التي تقاسمها المسكن عادت هي الأخرى المعلم الذي يلقنها حقوقها وكيفية الدفاع عن المرأة وهي المناضلة في جمعية خاصة بالنساء، ومع تسارع الأحداث يكشف سر حدة التي تمقت الرجال من وراء رجل اسمه سعيد اغرقها في حبه وعلقها بشباكه وصارت دمية في فراشها.
ربيعة من راعي الغنم إلى قائد النسوة
المرأة في الرواية يصورها صالح عزوز المرأة ألة للطبخ، وللغسيل وللجنس، وووو، غير أنها لن تكون المرأة القائد الذي يسمع لها حين تتحدث ويصفق لها حين تنتهي، يتحدث الكاتب عن ربيعة المرأة التي تمشي بساق أعرج عادت تفهم في أمور الحياة ومتطلباتها وصارت تفهم في أمور لنساء وتناقشها، حتى أنها عرفت الحب وسمعت دقاته من قلبها الذي لطالما عاش جروحا من أقرب الناس لها.
ربيعة من الدوار إلى القرية إلى المدينة، ومن راعي الغنم والأبقار إلى قائد في الجمعية النسوية تدافع عن حقوق المرأة، وهذا بعدما تتلمذت على يد حدة التي شاءت الأقدار أن ترحل لبارئها في يوم تاركة حلمها لربيعة.
الكاتب من جنس الرجال يكتب ويدافع عن المرأة، الأنثى التي تعتبر بلاء من الله في الدوار، صالح عزوز يحكي أحوال النساء بلسانه وهنا أجد نفسي أقرأ لكبار الأدباء أمثال بن عبد الحميد هدوقة ورشيد بوجدرة.
“الاعتراف بالمرأة كشخص مفيد وفعال عند بعض الرجال، هو بمنزلة السقوط من فوق صهوة الحصان، أو طعن في رجولته فكيف تقارن ذكورته التي يتباهى بها في كل مكان، بكائن خلق من ظلع أعوج، لذا بقي هذا الصراع منذ القدم، ويزيد مع مرور الزمن لكن سوف يتوقف حين تلامس هذه الأنثى ولو بيدين ناعمتين أملهن الخشنة التي كانت حكرا على الرجال… للأسف، المرأة عند الكثير من الرجال شريكة له في الفراش فقط، أما في شؤون الحياة الأخرى فهي خصمه، ويبقى يخاف من حضورها في أي مكان، من أجل طلب مشاركتها له في هذه الحياة… مرافعة سمعتها ربيعة من حدة مرات ومرات، آمنت بها وصدقتها، ألنها جالست الرجل في كل مكان…” ص 149
الحياة تطعننا كثيرا توجعنا وتدمينا، لكن ألّا نستسلم لها هو هدف الكثير من النسوة اللواتي يحاولن أن تسمع أصواتهن، والعودة هي الدليل القاطع على الوقوف من جديد ليرهن للجميع عدم الانكسار.
“لقد أصبحنا نؤمن أن الفرد حين يموت يصبح أغلى، وهذا ما نراه حين يرحل الواحد منا، حين تحمل له الهدايا والتكريمات، ويوقر خير وقار، فلو كان العكس، ما احتقرنا بعضنا ونحن أحياء، وحين نموت نسارع إلى ذرف الدموع والبكاء على الأطلال. أسئلة كثيرة كانت تطرحها بصوت مرتفع، وهو يتأمل في محياها الذي غشته سحابة حزن ظهرت فجأة بعد ما تذكرت حدة، وهي تتأبط يد صاحب النظارة، وهما يتجهان إلى الدشرة التي تربت فيها سيرا على الأقدام… ص190- 191
النهاية مفتوحة ..
ترك الكاتب عزوز الكثير من التساؤلات معلقة في ذهن القارئ هل هناك جزء أخر من الرواية ينتظر النور للصدور، إلى حين ذلك يبدأ القارئ في طرح أسئلة عن محتواها في خياله هل تبرهن ربيعة نفسها أمام أهلها بعد غياب؟ كيف ينظر لها؟ هل يتقبلنها؟ هل تحدث ربيعة ثورة في عالم الدوار وتبرهن مكانة المرأة وأهميتها؟ كيف يتقبلنا عودتها مع صاحب النظارات الذي أحبته من أول النَّظْرَة؟ كلها أسئلة تطرح نفسها…
صارة بوعياد