اتخذ فنانون من أروقة شوارع الجزائر العاصمة مسرحا لفنهم وممرا لثقافتهم، فاختلفت الفنون والهدف واحد، فالمتجول في أزقة البهجة يلفت انتباهه عبق الفن في شوارع المدينة البيضاء، فكم من فنان افترش الطريق ومهد فيها لفنه الذي يتبناه بحب على غرار فن الرسم والموسيقى.
سارة فراح
تحكى من شوارع العاصمة حكايات عن سر حب الكتاب، وعن مهنة بيع وشراء الكتب، كما تحكى للمارين في أزقتها حكايات عشق للفنون، من الرسم والموسيقى، هو الحب والشغف جعل فنانون يبتعدون عن القاعات المغلقة ليفترشو الأرض فنا ويتخذونه مسرحا للثقافة ليتنفس المارة من هناك عمق الفن، التاريخ والذاكرة.
محمد سبع وشكيب نايلي من محل الحلاقة إلى الموسيقى
التقت “أهل الفن” بالشابين محمد سبع وشكيب نايلي وهما يعانقان قيتارتهما في أزقة العاصمة، حيث اتخذوا من الشارع مسرحا لفنهم، واختاروا الموسيقى التي اجتهدوا في تعلمهما بمفردهم للتنفيس عن أنفسهم.
محمد سبع وشكيب نايلي شابين في العشرين ربيعا قصدوا الشارع للترويح عن أننفسهم عبر الوتر والنوتة الموسيقية، يجذبون الجمهور للاستماع إليهم، فنانون عصاميون، يحملون قيتارتهم بكل شغف وحب.
اتخذوا من الموسيقى فنا لتمرير رسالتهم، مفادها الاهتمام بالشباب الموهوب والأخذ بيده من الطرقات إلى القاعات، الاعتناء بحبهم للموسيقى نابع من صدقهم لها حيث افترشوا الأرض فنا، يمررونا مغزى مفاده ضرورة الاعتناء بالفنان الجزائري.
محمد وشكيب الفنانان الذين جاءوا من محل الحلاقة بعد التكوين في هذا المجال، تاركين المقص في درج المحل وقت فراغهم، ليحملوا القيتارة ويعبروا عن الفن في طرقات العاصمة، فمتى تلتف لهم السلطات المعنية لتصقل مواهبهم وتروج لأحلامهم.
“عبد الرزاق دحام”: “اخترت الكتاب أنيسا لي منذ 17 سنة“
“عبد الرزاق دحام”، بائع كتب في السبعينات من العمر، صحفي سابق في جريدة المجاهد، يحكي لنا حكايته مبتسما، “لم أحبذ فكرة التقاعد والجلوس بين أربعة جدران، اخترت الكتاب أنيسا لي منذ 17 سنة، فكانت البداية من عام 2000، حيث استندت على الكتاب في حديقة البريد المركزي، لأني أهوى الكتاب منذ الطفولة، فقد تربيت على القراءة، من كتبي المفضلة كتب التاريخ والفلسفة، وعلوم الكون”.
يبيع عمي “عبد الرزاق دحام” كتب مختلفة في الروايات، الرياضيات، كتب الفلسفة وغيرها، له مكتبة خاصة في بيته، يناقش مع بناته مضامين كتب ويقلدونه أثناء جلوسه للمطالعة، حدثنا ناصحا قائلا: “لابد أن يطالع الإنسان لثلاثة أشياء، لـ “التنمية الثقافية”، لإثراء قاموسه”، ولكي يتعلم بشكل يومي يساعده على الكتابة والقراءة بشكل صحيح، ورغم وجود الانترنت وكتب يمكن تحميلها بسهولة إلا أنه من المستحيل أن يأخذ مكان الكتاب الحقيقي، ولا شيء يمكن أن يعوض الكتاب”.
“رضا بوطاوين”: “الهدف منا تخليد الكتاب في الشارع كثقافة“
“رضا بوطاوين” هو بائع أخر، يشتغل في بيع وشراء الكتب منذ 17 سنة، بدأت حكايته صدفة، قائلا: “أدرت أن أشتري كتبا جديدة للمطالعة تحمل عنوان “إخوان الصفا وخلان الوفاء”، ولم أكن أملك المال الكافي، فاضطررت للبيع الكتب التي كانت في المنزل، حيث أخذني الاحتياج للامتهان المهنة، الحاجة هنا ليس فقط للمال بل لتغذية عقلي بكتب جديدة كوني كنت وما زلت مهتم ومحب للمطالعة”.
مضيفا لـ “أهل الفن”: “ومنذ حوالي عشر سنوات، قامت السلطات ببلدية الوسطى بإعطاء تصريحات، وفي هذا الصدد قال “هذه الحديقة كانت محج للعنف والتسول والتشرد، ومنذ مجيئنا، أصبح المكان ينشر ثقافة القراءة وثقافة حب الكتاب، ومنذ 17 سنة في هذا المجال، وجدنا أنفسنا نقوم بمهمة توعوية تهدف إلى الحفاظ على الكتاب رغم تطور التكنولوجيا، وفي إطار المهنة وجدت من زبائني من يدخر مبلغ مالي شهريا من أجل شراء الكتب، وهناك من يصحب ابنه الصغير للشراء الكتب لكي يغرس فيه حب الكتاب.”
الفنان كريم بونادي: “نحن هنا في الطريق لنقدم الفن”
اتخذ الفنان كريم بونادي الخمسيني الشارع مكانا لنشر فنه، منذ عام 1991، بمقام الشهيد، ومن سنة 1999 انتقل إلى قلب العاصمة وبالتحديد البريد المركزي.
قال الرسام بونادي: “نحن هنا في الطريق لنقدم الفن، لكن في هذا الفضاء نشاهد أشخاص يديرون ظهرهم للفن، فكل شخص كيف يشاهدك حتى البعض يقتربون ويقولون “لماذا لا تقدم الفن في محل خاص بك”، وهنا يجب أن يعلموا أن ثقافة الرسم البورتري يعرض في الشارع، وليس في محل مغلق يكون المارة نفسهم، لكن في الشارع الأشخاص تتغير والبريد المركزي هو المكان الذي يستقطب 48 ولاية”.
منذ طفولته وهو يرسم، عرف بمداعبه للقلم دائما، فكان رسام لكل القسم بامتياز، حيث كانت تسند له مهام الرسم في مرحلة التعليم المتوسط والتعليم الثانوي، يرسم كل ما هو متعلق بالدروس العلوم الطبيعية والجغرافيا، حتى وهو في الخدمة العسكرية، كان يرسم المعادن الخاصة بالسلاح.
قام الرسام “كريم بونادي” بتقديم عروض كثيرة داخل الجزائر وخارجها على غرار ألمانيا التي درس وتكون فيها لمدة ثلاثة سنوات، ايطاليا، فرنلدا، تونس، وكل مرة يعود للجزائر ويضع طاولة الرسم أمام المارة في طريق البريد المركزي، وكأن الحنين يجذبه إلى هذا المكان الذي عادا مقدسا له.
قال أن الإقبال الأكبر من قبل المارة، رسم بورتري غايته إهداء صور فنية، والشيء الملفت للانتباه أن من يتقدمون بطلب رسم لوحات فنية، تكون هدية لشخص من العائلة أو الصديق، ويفضلون هذه الهدية لأنها من الهدايا التي تبقى على ممر الزمان وتحفر فيها الذكريات أفضل من تقديم قارورة عطر كهدية حسب ما صرح به لـ “أهل الفن”.
“فاروق عزوق يلقب بذاكرة الجزائر ويحتفظ بأقدم طابع جزائري“
يحكي لنا “فاروق عزوق” قصة جمع وبيع الطوابع والصور الجزائر القديمة في شارع البريد المركزي، قائلا: “الحكاية بدأت مع والدي عام 1986، كانت نتاج عرض الثقافة على الهواء، من تنظيم رئيس الجزائر الوسطى الذي استعدى الأشخاص المختصة في هذا المجال، وفي سنة 2000 كنت خلفا لوالدي الذي يناهز الثمانيات”.
يلقب بالجزائر القديمة، وذاكرة الجزائر، “فاروق عزوق”، المختص في جمع وحفظ طوابع الجزائر، فيملك أقدم طابع جزائري الذي يعود لعام 1846، كيف لا وهو الذي تغذى ثقافيا من والده عن طريق ممارسة موهبته التي عادت مهنته في جمع الطوابع، حيث قدم عروضا للطابع البريدي الجزائري في ألمانيا عام 1989، ونال منها المرتبة الثالثة.
تمضي السنوات، منها 32 سنة خبرة في جمع الطوابع البريدية في الشارع، “فاروق عزوق” إضافة إلى جمعه للطوابع، تحوي زاويته الصغير في البريد المركزي على صور قديمة للجزائر القديمة والصور التي تتغني باللباس التقليدي الجزائري.
كما يملك صورا لشخصيات تاريخية جزائرية وعربية، حيث فاجأ القنصل العام لجمهورية مصر العربية، أثناء زيارته غلى الجزائر ذات صيفية له بصور تجمع رئيس الجزائري هواري بومدين رفقة رئيس مصر جمال عبد الناصر.