أقولها في السطر الأول دون تردد أو خشية من لومة لائم، شكرا ياسمينة خضراء على زيارتك الجزائر المصابة بموت ثقافي كلينيكي حتى إشعار جديد ليس من منطلق النشاطات والتكريمات العشوائية التي تنظم هنا وهناك تخليدا لمناسبات رسمية وآخرى لذكرى رحيل هذا القائد التاريخي أو ذاك وليس رحيل مثقف بارز، ولكن من منطلق غياب استراتيجية تنمية شاملة لا تغيب فيها الثقافة كما هو قائم حتى كتابة هذه السطور.
ياسمينة خضراء أحدث ضجة غير مسبوقة في عز صيف الإسترخاء والهروب من الضغط والقيظ المجنون, استطاع أن يملأ القاعات والمسارح عن أخرها خلافا لما يحدث على مدار السنة، وليس كل الذين تنقلوا إلى مسرح وهران الجهوي والمكتبة الوطنية بالحامة العاصمية ودار الثقافة بتيزي وزو هم حتما من محبي نزعته الروائية ومن أنصاره الإيديولوجيين، كما لم يكونوا كلهم من حزب فرنسا لأنهم يتحدثون ويقرأون باللغة الفرنسية كما هو شأن الكثير من المثقفين ويفكرون جزائريا وليس فرنسيا بالضرورة، اود بالمناسبة أن يرد علي المؤرخ محمد الأمين بلغيث ـ الذي أقدر مجهوداته الأكاديمية ـ في هذا السياق حينما يروج لعكس ما أقول بتحليل نموذج الكبير الراحل مالك بن نبي الذي أبدع فكريا باللغة الفرنسية دفاعا عن الإسلام قبل ان يتعلم اللغة الفرنسية ويلقي بها محاضرة مبهرة في القاهرة خلافا للفرنكفونيين الفرنكوفليين الذين يمقتون اللغة العربية التي تصلح للصلاة فقط وليس للإبداع كما هو حال جل من تناولهم رشيد بوجدرة محقا في كتابه ” زناة التاريخ “.
بوجدرة الشيوعي مثل الراحل أحمد بن عيشة ومالك حداد ومالك بن نبي غير الشيوعيين، دافعوا عن لغة حضارة عظيمة ليس من نفس المنطلقات، وبوجدرة يؤمن بالعربية لصيقة بحضارة ابداع وليس حتما بحضارة دين.
أعود لياسمينة خضراء لأضيف أنني اشكره دون حدود، لأنه جمع الأصدقاء والأعداء والخصوم والمعجبين به والكارهين له عن بعد وعن قرب في الوقت نفسه، ويجب أن تكون صاحب وجود متفرد ومتميز إبداعيا وشخصيا حتى تحقق هذا الإنجاز السوسيو سيكولوجي والثقافي والإيديولوجي. المولعون بالإختزال الفكري والأدبي والمرضى بأحقاد شخصية ناتجة عن خلافات إيديولوجيةـ باسم حبهم للجزائر أكثر من آخرين من منطلق معتقد إيديولوجي يغلق طريق الوطنية في وجوه أصحاب منطلقات آخرى ـ، يخفون بقبح وعنترية زائدة وجهل مرادف لعقدة نقص خطيئة قاتلة في حق عدد كبير من المبدعين الذين يختلفون معهم لغويا وإيديولوجيا، ويحكمون عليهم بروح محاكم التفتيش والمكارثية دون قراءة كتاب واحد لهم.
كان هذا أمر ياسمينة خضراء الذي اشكره مجددا رغم أناه المضخمة الناتجة عن نرجسية لصيقة بكثير من المبدعين بشكل سافر ومقزز ومنفر وغير مستصاغ رغم كل ما يقال عنها علميا في مجال السيكولوجيا ,كاتب هذه السطور، يرفض تبجحه بعالمية ربطها باسمه لأانه ترجم إلى 58 لغة، لأن العالمية لا تعني دائما حتما الجودة أدبيا، ويمكن أن يقرأ الملايين من عامة الناس لمبدع مثل ياسمينة دون أن يعني ذلك ان اخرين يفتقدون للإبداع . الإبداع حالات فردية تتشابه وتتقاطع وتتنافر وتتباعد في الوقت نفسه، ونوع الرواية التي يكتبها ياسمينة، ويقال أنها تصلح للمنتظرين في محطات النقل والمنسوجة بروح بوليسية ساحرة وبديعة ميزت انطلاقته باسمه الحقيقي، وبقيت متجذرة في روايات لاحقة دون المحافظ لوب. كون الكاتب ينزع ويجنح نحو هذه الحساسية الإبداعية ليس أمرا سلبيا بالضرورة وعيبا إبداعيا حتما، ونعثر على تجليات قوته الإيجابية في ثنايا روايات تقوم على روح حكواتية غارقة في شاعرية وجمالية تعبيرية وإنسانية أخاذة ليست إيديولوجية في كل الحالات، وبسيطة وسلسة في تركيبها وأسلوبها خلافا لماهية الرواية الجديدة المعقدة التي يحبها جمهور خاص ونخبوي جدا من القراء , ياسمينة الذي يقرا له في إفريقيا وفي كل القارات، لم يقرأ لأنه يروج للفرنكفونية ولحزب فرنسا ـ حتى ولو انه يفعل ذلك حتما ودون قصد، لانه ينطق باسم لغة مهددة باعتراف أصحابها وعلى رأسهم هارفيه بورج المستشار السابق للرئيسين بن بلة وميتران وصاحب كتاب ” معذرة فرنسيتي ” الذي أكد فيه ان الفرنسية لن تموت بفضل أبناء أفريقيا بوجه عام والشمالية بوجه خاص .في محصلة القول ـ ولأن طبيعة المقام الصحفي لايسمح بالإسهاب ـ من العيب والسهل مسح وجود مبدع مثل ياسمينة خضراء باسم الخلاف الإيديولوجي والتهم التي قد تكون حقيقية ومسندة.
إذا قرأنا بعمق رواياته المطبوخة بمهارة سردية مبهرة وببهارات اسرة وعلى رأسها شاعرية مكرسة يبررها ماضي ابن التراث الأدبي الذي ميز قبيلته وموهبة جدته راويتها . خضراء راح ضحية فاقدي الذائقة الأدبية ( فاقد الشيىء لا يعطيه ) والكثير من الجهلة الأدبيين (الإنسان عدو ما جهل )، وضحية محبي النوع الروائي الذي يروه مرادفا للإبداع عند كاتب ياسين وبوجدرة وسيلين وعند آخرين نسجوا على منوالهم قبلهم وبعدهم ومنهم فولكنر , راح أيضا ضحية فرنكفونيين ومعربين مجتمعين لاموه على ماضيه العسكري الذي أكد موهبته وليس العكس، وعلى قبوله منصب ثقافي حظي به بتزكية سياسية من شخص لا تجمعه به إلا المصلحة الشخصية.
نعم ياسمينة خضراء عنجهي ونرجسي ومناور ومتعجرف ومتواضع مزيف، لكنه مبدع حقيقي يطوع الكلمة السردية، ويطعم روايات بالحب وبالصفات الإنسانية الراقية مخفيا لعبه المزدوج وموقفه المتذبذب من قضايا من الصعب التوفيق فيها بين الضحية والجلاد وعلى راسها الإرهاب ( نموذج ثلاثيته التي أصبحت سينمائية عالمية ” الإعتداء، سنونوات كابول، صفارات بغداد). من يسيطر على الشاشة عالميا ؟ الجواب سهل جدا والكسندر أركادي ليس بعيدا عنهم !
بوعلام رمضاني