الدكتورة زوينة بوساق تكتب عن المرأة والمقاومة

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

دراسة في سوسيولوجية التمكين والمشاركة

يعد الحديث عن قضايا المرأة وخاصة ما يتعلق منها بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من بين المسائل التي طرحتها الإنسانية منذ القدم، ولا تزال تطرح إلى الوقت الراهن ولو بطرق حديثة ومتجددة، وفي كل مرة تدخل عليها تعديلات وإضافات تتناسب مع متطلبات كل عصر، وفي ظل هذا أصبح الاهتمام بقضايا المرأة في المجتمع محل اهتمام العديد من الباحثين والمفكرين والخبراء، كما أنها أصبحت حركة عالمية يساندها القانون الدولي وتدعمها المنظمات الدولية وحتى المحلية تطالب فيها بحقوق المرأة في شتى المجالات باعتبارها جزء فعال ومؤثر في حياة المجتمع وتطوره، الأمر الذي قد يسهم بشكل جاد في تحقيق التنمية الإنسانية والتي من مقوماتها المعرفة والحرية والتمكين وهذا الأخير يعد من بين المؤشرات التي يقاس عليها تقدم الأمم ونهوضها ومن بين العناصر الأساسية التي تتحقق التنمية البشرية في ظل متطلباته.

وبالنظر إلى التطور والتغير الحاصلين في مجال التنمية وخاصة من جانب المشاركة  الاقتصادية والاجتماعية للمرأة فيها، فإنه بات يفرض وجوبا على كل الدول العربية بما فيها الجزائر التحرك في إتجاه تعزيز مشاركة المرأة في عملية التنمية ودعم تمكينها بكل الوسائل الممكنة، لأن تحقيق التنمية الإنسانية أصبح مرهون بمدى فعالية عملية التمكين، وللإنصاف فإن البلدان العربية تسعى منذ فترة من الزمن إلى إعادة النظر في قضية تمكين المرأة لأنها أصبحت من منظور سوسيواقتصادي  تمثل أحد المهام والاستراتجيات والخطط الفعالة لبناء التنمية الإنسانية الشاملة باعتبار المرأة شريكا لا يمكن التخلي عنه بعدما كانت في الماضي تلعب دورا محدودا في مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

لربما كانت البيئة العربية سابقا بيئة غير تمكينية وثقافتها غير داعمة تسودها نظرة تقليدية تحصر دور المرأة في الدور التقليدي مما جعل تحقيق الاندماج الإقتصادي أمر صعب في ظل وجود قوة اجتماعية تدفع إلى الأسفل لا تحركها دوافع اقتصادية، ومع تحرك تلك الدوافع الاقتصادية تحولت كل تلك المظاهر السلبية التي تقف في وجه المرأة إلى تحديات ينبغي إدخالها وفقط ضمن متطلبات المشروع لتحقيق النجاح، ومن ذلك قولبة كل طاقاتها في ممارسة العمل المقاولاتي الحر من خلال مأسستها لمشروع صغير مدر للدخل تساهم به في رفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لأفراد الأسرة والمجتمع على السواء.

العالم تغير كثيرا عما كان عليه في السابق وأتبعته عدة تغيرات هائلة في بنيته الاجتماعية وحتى المادية وطرق التعامل التجاري وخلق الفرصة الاقتصادية وما نتج عنها من تطور هائل في نمط المعيشة وأسلوب الحياة العصرية وطرق التعامل مع الإنسان في حد ذاته بحيث جُمع العالم كله على خط واحد وبدأت تتلاشى مع الوقت كل الأصوات التي تنادي باللامساواة الجندرية والتفاوت في الفرص، والمجتمع العربي والجزائري على وجه الخصوص غير منفصل عن العالم والتطورات التي تحصل على مستواه تحصل فيه كذلك وبنسب متفاوتة وهذا نظرا لشيوع مفاهيم كثيرة تتعلق بالحرية والديمقراطية وتنفيذها على أرض الواقع بالتحرك الإيجابي باتجاه المطالبة بالمساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما قد أتاح لها فرصا عادلة في التعليم وممارسة العمل الحر التي أقرت به في الأخير المنظومة التشريعية على المستوى الدولي والعربي والوطني، وما إلى ذلك من بذل كل قصارى جهوده لتدارك هذه الدعوات والسير في خطى المحافظة على ايجابيات هذا النهج في ظل تحقيق التنمية الإنسانية الشاملة وهو في تطور ملحوظ خاصة مع دخول العالم  الألفية الثالثة، والعمل على مجابهة تحدياته.

إن الذي تقدمه الجزائر للمرأة وما تحمله خطط ترقيتها والاستراتيجيات المعمول بها في هذا الشأن خاصة في المجال الاقتصادي من خلال السعي نحو الاهتمام بالمرأة وتحرير طاقتها في إطار المساواة وإدماجها في عملية التنمية، قد يعزز من تفعيل دور المرأة في عملية التنمية ويؤكد على ضرورة دعم مدخل التمكين خاصة مع  تشجيع الدولة للاستثمار الخاص في جميع النشاطات للجنسين دون تمييز وقد حقق في هذا المجال تقدما ملموسا على أرض الواقع في ظل دعم بعض العوامل من أهمها تحرير المرأة من تبعيتها للرجل وإعادة بناء ثقافة المجتمع التي تعي وتفهم أهمية دور المرأة التنموي ودوره في تطور المجتمع وهذا ما سينعكس على المرأة من خلال زيادة قدراتها على المشاركة في النشاط الاقتصادي، وما هو متعارف عليه أن المرأة الجزائرية تمتلك العديد من المقومات الفردية التي تجعلها قادرة على إقتحام عالم المقاولة وتمكنها من تحقيق إنجازات رائدة في هذا المجال في ظل المهارات التقنية المتوفرة والتحكم الجيد في تقنيات الحاسوب بشكل فعلي، إضافة إلى التأهيل الكافي الذي تحصلت عليه من تكوين وتعليم وتدريب في فترة ما بعد الاستقلال إلى يومنا هذا، حيث تعزز وجودها في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي بهدف خلق الثروات والانتفاع بها وهو ما ينجر عنه التقليص في الفجوة الموجودة بين الجنسين والدليل على ذالك هو تقلص نسبة البطالة بين النساء والرجال نتيجة فعالية الخطط والسياسات التنموية وهذا ما تؤكده تجربة المشاريع النسوية الصغيرة التي تزامن إنشاؤها مع دخول الجزائر مرحلة اقتصاد السوق ومجابهة تحديات الألفية الثالثة.

قد أثرت التحولات التي مرت بها الدولة الجزائرية على جميع الأصعدة وخاصة الاقتصادية منها في مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي من خلال ارتفاع نسبة المشاركة في الفترة الأخيرة بوتيرة متسارعة الأمر الذي يعكس الاهتمام الواسع والحضور القوي من طرف الدولة الجزائرية ومؤسساتها ومختلف آلياتها للنهوض بدعم هذه المشاريع بغية تمكين المرأة اقتصاديا من خلال تطوير إمكانياتها وقدراتها وتحسين مستوى تعليمها من اجل البناء والعطاء والمشاركة الفاعلة في المسيرة التنموية، ومن هنا نؤكد على دور وأهمية المنظمات الوطنية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني ومعاهد التكوين المهني الحكومي والخاص التي تبذل قصارى جهودها في سبيل الوصول بالمرأة الجزائرية إلى دور فاعل في المجتمع بحيث تكون واعية بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية ومؤهلة ماديا ومعنويا من طرف العديد من الجهات وذلك من خلال ضمان تحقيق كل ما كانت تطمح إليه المرأة من نجاح مشروعها وإنجازه والذي يتطلب تضافر العديد من الجهود ومساهمات الهيئات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، وبناء على هذا فقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى أربعة فصول هي كالآتي:

الفصل الأول: ويشمل الإطار العام للدراسة حيث يتضمن إشكالية البحث وفرضياته وأسباب اختيار الموضوع وأهدافه وأهميته، إضافة إلى تحديد المفاهيم والمقاربة السوسيولوجية المتبناة وأطروحة البحث والدراسات السابقة.

الفصل الثاني: والمعنون بالمحددات التنظيمية والاجتماعية حيث شمل مفهوم المحددات التنظيمية على بعد المهارات القيادية للمرأة والبيئة التشريعية القانونية كما شمل مفهوم المحددات الاجتماعية على بعد البيئة الثقافية المجتمعية وبعد تعامل المرأة مع الضغوط الاجتماعية التي تتعرض لها على مستوى الأسرة والعمل.

الفصل الثالث: والمعنون بتمكين المرأة الجزائرية المقاولة والذي يشمل على المداخل النظرية التي عالجت مفهوم تمكين المرأة والتطرق إلى السياق التاريخي لها، وإلى واقع تمكين المرأة المقاولة في الجزائر.

الفصل الرابع:  ويتضمن الإجراءات المنهجية للدراسة الميدانية من خلال التطرق إلى مجالات الدراسة ومنهجها والدراسة الاستطلاعية ومجتمع البحث وعينته وأدوات الدراسة وأخيرا نتائج الدراسة ومناقشتها على ضوء الدراسات السابقة والنظريات والفرضيات واستخلاص النتائج العامة من هذه الدراسة.

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x