لهذا السبب منعوا الغرباء أربع سنوات من الطباعة
بلقاسم مغزوشن ظاهرة في الترجمة ومفخرة للجزائر
ليس من السهل أن تظفر بحوار كامل وشامل دون تدخلات من زوار معرض الكتاب الدولي مع الأستاذ الكاتب الجزائري رابح خدوسي صاحب الابتسامة التي لا تضيع وملك التواضع بلا منازع، خاصة وسط زحمة الزوّار في سيلا 2022، إذا لم يكن أحدهم قارئا وفيا يرغب في شراء كتابه المفضل بتوقيع صاحب “الضحية” سيكون التقاط صورة مع شراء كتاب مع مجموعة من التلاميذ والمعلمين بحكم الاستاذ خدوسي كان مفتشا في التعليم قبل الاستقالة والتفرغ لعالم النشر والابداع، وكانت المفاجأة مع تلك الفتاة المارة في الصالون لتجد صدفة صاحب “الغرباء” يوقّع كتابه الجديد “رأيت في الهند” لتسأله متعجبة “الكاتب رابح خدوسي”، لا ليس هذا فقط بل العجب العجاب ومن شدة الفرحة وأمام أعيني ترتعش الفتاة وتنزل دموعها فرحا وهي تقول قرأت مجموعتك القصصية “وجوه وظواهر” وتأثرت كثيرا، ولم يجد الأستاذ الكريم خدوسي إلاّ أن يقدم لها رحلته إلى الهند هدية مع توقيعه الخاص كعربون وفاء لفتاة لم تعرفه وقرأت له عن حب، أدعوكم للتعرف على أسرار يكشفها الكاتب خدوسي لأول مرة في هذا الحوار.
حوار: صارة بوعياد
تعتبر مؤسس دار الحضارة للنشر والتوزيع عام 1991 هل يمكن أن تعود لنا إلى البدايات من الفكرة إلى التأسيس؟
حين نتحدث عن السياق التاريخي للجزائر سنة 1991م تذكر أن البلاد كانت في مفترق الطرق، وبدأت تدخل في نفق سياسي وأمني خطير كنت يومئذ في متيجة التي كانت تلقب بـ “مثلث الموت” في تلك الفترة، والسبب الرئيسي لتأسيس دار الحضارة للنشر يعود لقصة واقعية مؤسفة هي: وضعت رواية “الغرباء” في المؤسسة الوطنية للكتاب المختصة في النشر حيث كانت المؤسسة الحكومية الوحيدة التي تحتكر النشر، وكانت الرواية مقبولة من طرف لجنة القراءة وأفلام السحب الخاصة بها تم تحضيرها،بقيت الخطوة الأخيرة لدخولها المطبعة لكن تم تجميد طبعها أكثرمن أربع سنوات منذ 1988، بعد مدة عرفت سبب التجميد، كلمة المقدمة للأستاذ محفوظ نحناح رحمه الله، ليتوقف نشر الرواية، وكان قد أوصاني في رسالة بأن أغفل ذكر اسمه في المقدمة، لم أكن يومئذ على دراية بما يجري في الكواليس والغرف السرية ، وبحثيثات الواقع السياسي كما ينبغي ، مع العلم أن المؤسسة نفسها كانت قد أصدرت لي قبلها رواية الضحية من بشكل عاد عام 1984م.
ماذا كان رد فعلك وكيف تم نشر الرواية في ذلك الوقت؟
أخدت الأفلام الخاصة بالرواية وذهبت الى مطبعة خاصة وطبعتها على حسابي، . فطبعت “الغرباء” ووزعتها على المكتبات ، وبعدها طبعت قصصة للأطفال “سباق الحيوانات” التي تحصلت على الجائزة الأولى في أدب الطفل في مسابقة نظمتها رابطة الابداع سنة 1991، بعد ذلك استعذبت عملية النشر الفردي ثم أسست دار الحضارة واستقلت من مهنة التفتيش وتفرغت لعالم النشر ، وأنرت شمعة في الظلام في وقت الرعب والاضطرابات ،زمن كانت فيه الثقافة تهمة تؤدي إلى قتل صاحبها ، في عقر دار الخوف والرعب والإرهاب أسست دار الحضارة للتأليف والنشر ببئر التوتة قرب الجزائر العاصمة، وأصدرت عدة كتب ، وكذا مجلة “المعلم”، وموسوعة الأدب والعلماء الجزائريين. وكما يقول المثل ” رب ضارة نافعة”، منع نشر رواية “الغرباء” دفعني إلى تأسيس دار نشر بمجرد فتح المجال لذلك ، وكنت من الناشرين الخواص الأوائل، وأول كاتب يؤسس دارا للنشر بالجزائر وفي عز الأزمة.
عبر منصات البيع الالكتروني العالم يقرأ التراث الجزائري
نجد أن أدب الطفل يستهويك كثيرا، هل مهنة التعليم هي السبب؟
أولا الموهبة فهي ضرورية وأنا ما زلت أحمل قلب طفل،إضافة إلى تواجدي في حقل التربية والتعليم، ونظرا لما عاينته من فراغ كبير في أدب الطفل حيث كانت رفوف المكتبات شبه فارغة، خاصة في التسعينات من القرن الماضي، ما جعلني أكتب للطفل ، فكانت قصصي في أغلب المكتبات والبيوت ،ثم جاءت مرحلة الترجمة إلى لغات العالم كالفرنسية واللغة الانجليزية والكردية. ثم وضعها في منصات البيع الالكتروني في العالم، والأن هي مسوّقة لأطفال الجزائر والعالم، فالطفل اينما كان يقرأ حكايات من التراث كبقرة اليتامى ولونجا بين الغول، عروس الجبال وبيت السلطان. وهكذا ساهمت في تمكين القراء في العالم من التعرف على التراث الجزائر.
اعتبر الهند أندلس الشرق..
من أدب الطفل إلى أدب الرحلة كيف كانت رحلتك إلى الهند وما هو أكثر شيء أثار فضولك وانتباهك؟
ما أثار انتباهي في الهند ليس تعدد الألسن وعبادة البقر وإنما السلوكات الشخصية ، أعجبت بالمواطن الهندي في نضاله وكده، ثقافته ومعالمه وعلمه، وجهه الحضاري ، من صفاته التواضع، الصبر والهدوء والطيبة، والظاهرة الثانية التي أعجبت بها في الهند ه الآثار الكثيرة وأغلبها تعود للحقبة الاسلامية ،وعليه أعتبر الهند أندلس الشرق، فالسياحة الثقافية في الهند لا نظير لها حيث العالم يتدفق على الهند، فهناك طابور للطائرات التي تنتظر الإقلاع ،في كل خمس ثوان تصعد طائرة ،عجيب المطار الواحد يحتوي على ثلاثة مطارات، الكل من أجل رؤية آثار الدولة الإسلامية التي حكمت 8 قرون ونصف ، لكن للأسف هذه الحضارة مطموسة الهوية،مثلا لا يعلم أحد أن تاج محل أحد عجائب الدنيا بناه ملك مسلم شاه جان، وأن جدرانه مزخرفة بالآيات القرآنية ، معلومات لا تذكر للعالم.
التوجه نحو الترجمة أمر مهم جدا حاليا خاصة الترجمة إلى الإنجليزية ولقد تعاملت مع الكاتب والمترجم بلقاسم مغزوشن حدثنا عن هذه التجربة؟
الترجمة فن وابداع ثان ومسؤولية، رغم مقولة” الترجمة خيانة” للنص الأصلي لعدم تقيد المترجم بالكلمة وروح النص، فالترجمة تحتاج إلى شخص حاذق ومبدع ويكون أديب حتى يفهم قصد الكاتب في سياق الجملة، شخصيا تعاملت مع ثلاثة مترجمين بارعين هم محمد سحابة والعيد دوان باللغة الفرنسية، وباللغة الانجليزية بلقاسم مغزوشن وهو ظاهرة لغوية متفردة في الحقيقية لأنه متعدد الألسن، كتب بالعربية وبالأمازيغية وبالإنجليزية وحصل على جوائز ،يعد مفخرة الجزائر، فهو حريص ودقيق في الترجمة، كانت البداية معه صدفة وبعدها صارمترجمي للإنجليزية.
الطبيعة ملهمتي الأولى و”الضحية” الأقرب إلى قلبي
من كل حقل أخذت زهرة أستاذنا القدير فمن الأمثال الشعبية إلى موسوعة الاعلام الجزائرية ما هو سر هذا التنوع؟
يبدو لي أن قلم المبدع لا حدود له، لأن المثقف كالنحلة من كل زهرة تمتص الرحيق،عشت في الطبيعة وطفولتي كانت في ربوع الأطلس البليدي الساحر حيث زهرة الاقحوان، وبن نعمان، وشجر البلوط والزيتون. الطبيعة هي ملهمتي الأولى وهي وراء كتابة الرواية والقصة وأدب الطفل..كما اشتغلت على الذاكرة الجزائرية في جمع الأمثال والحكايات الشعبية والتعريف بعلماء الجزائر والبحث التاريخي الخاص بالمدن ، لأكون جسرا بين الأجيال، خاصة مع التدفق التكنولوجي وعصر السرعة الذي نعيشه ، لذا قررت أن أنقل التراث الشفوي إلى كتب للحفاظ على جزء من تراثنا اللامادي.
ماذا تعني لك جائزة بطولة العالم للمبدعين العرب كأفضل كاتب عربي 2020 فرع قصص الأطفال؟
الجائزة هي نوع من الاعتراف بالإبداع خاصة إذا كانت من الخارج وبدون محاباة ، وهي تثمين للمسار في الكتابة وتحفيز على المواصلة والاستمرارية، وعلى العموم هو اعتراف بقلم المؤلف وجهده.
ما هي أقرب رواية من رواياتك إلى قلبك ولماذا؟
الضحية رواية تحكي واقع اجتماعي جزائري تعالج قضايا المجتمع بعد الاستفلال وليس فقط صفية، التي كانت ضحية بل جميع القيم المبثوثة في الرواية، وباعتبارها باكورتي في التأليف فهي الأقرب، قد وصلت اليوم إلى الطبعة الرابعة ومترجمة إلى الفرنسية والانجليزية.
تعجبني مسرحيات أحمد رزاق..
ماذا تقول عن الفن الرابع وقد لاحظنا حضورك الدائم في المسرح؟
بالنسبة للمسرح هناك علاقة وجدانية، حيث يرى المتفرج نفسه على الركح كأحد الممثلين بالنيابة عنه ، و المسرح هو يوميات حياتنا التي نخجل من التصريح بها ، يعكس واقعنا الاجتماعي والسياسي تعرية ونقدا، هو أب الفنون يوّسع الرؤى، يخاطب العقل والوجدان في لحظة تمزج المتعة بالألم ، تعجبني مسرحيات المخرج أحمد رزاق ولذا أحضرها.
هل من جديد تشتغل عليه حاليا؟
أشتغل على مجموعة من الورشات، ورشة كتابة “تاريخ البليدة مدينة الورود والبارود”، علماء وأدباء البليدة، حيث أرى أن الاشتغال على الذاكرة مسؤولية وطنية ودينية واجتماعية، وورشة كتابة رحلات داخل الوطن منها في ضيافة ابن خلدون، الرحلة البسكرية، ورأيت في الظلام مدن الرخام أحكي فيها كيف كنت أتنقل في زمن الارهاب من بئر توتة ومليانة والبليدة، ورشة أخرى حول يوميات مفتش في زمن الارهاب أجمع فيها حقائق مرّة ومثيرة.