أبدعت في الكتابة، سردت حكاياتها، وخطت خطواتها بأمل وبحب كبيرين، نحو حلمها رغم المعاناة، ورغم قساوة الحياة معها، فتاة في عمر الزهور بلغت الثاني والعشرين سنة، أصدرت مولودها الأول في عالم الكتابة الذي أسمته “وراء القناع حكايتي” عام 2016 عن دار النشر الكتاب العربي، هي الكاتبة الشابة التي تحدت الإعاقة ورسمت الابتسامة “خديجة خربوش“.
سارة فراح
شاءت الأقدار أن تتعرض “خديجة خربوش”، لحادث تسبب لها في كسور بليغة في الفخذ بعد سقوطها من الدرج، حيث أحدثت الإصابة اعوجاج في العمود الفقري، قامت بإجراء أكثر من عشر جراحات تدحرجت بين الفشل والنجاح، عانت فيها كثيرا، مما جعلها تضيع بين المنزل والمستشفى وكانت النتيجة ضياع ثلاثة سنوات من الدراسة، عادت بعدها إلا مقاعد الدراسة بعدما جمعت قوتها وعزيمتها فصارت ذات إرادة قوية قهرت المرض، وعادت بحلمها في المشي من جديد عبر إبداع “ما وراء القناع حكايتي”.
هو الكتاب الذي كتبت فيه مجموعة من القصص حملت أحلامها ومعاناتها معا في كف واحد، سارت به نحو أملها للعلاج والقيام بعملية جراحية على مستوى العمود الفقري في أمريكا، حيث قال الأطباء لشابة خديجة التي تقيم بالجزائر العاصمة، بأن الأطباء الذين أشرفوا على علاجها أكدوا لها بأن حالتها غير ميئوس منها، ويمكنها أن تتخلص من العكازين وتسترجع القدرة على المشي كقريناتها، بعد الخضوع لعملية جراحية لا يمكن إجراؤها إلا في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تصل تكاليفها إلى ما يقارب مليار سنتيم.
خديجة خربوش، عاشت طفولة قاسية نوعا ما، فقد اختطف الموت منها والدها وهي في العامين من عمرها، لتزهر طفولتها بعيدا عن عالم الدمى والألعاب، وهي في عز الطفولة تعرضت لحادثة قلبت حياتي رأسا على عقب لتصبح “العكازة” قدر فتاة لم تشرق الشمس على سماء وسادتها، منذ أن صار المستشفى والجراحات المتكررة كابوسا يطارد طفولتها وأحلامها، لكن رغم مرضها لم يكن المرض شيئا سلبيا لها أو بالأحرى لم تعتبره كذلك، بل بإيمان كبير اعتبرت أن المرض شيئا إيجابيا بحياتها، وله الفضل في بناء شخصية قويّة.
خديجة خربوش ورحلتها نحو الإبداع والكتابة
بدأت “خديجة خربوش” رحلتها مع الكتابة في سن العاشرة، متزامنة مع بداية رحلتها المرضية، حيث كانت تجد في الكتابة عزاء لها، وتخفيفا للقليل من معاناتها، وجاءت بعدها فكرة النشر بعد زيارتها للصالون الدولي واحتكاكها ببعض الكتاب، وبعد سنة عادت للصالون الدولي للكتاب مع كتابها “وراء القناع حكايتي”، حيث كان من أكثر الكتب مبيعا، كما تفاعل الجميع مع قصتها وأبدوا إعجابهم بشخصيتها التي صنعت من ألامها حلما وأملا في الحياة.
تحلم المبدعة “خديجة” بدراسة الطب، ومن طموحاتها أن تكون عضوا فعالا في المجتمع تقدم للجزائر وأهلها، وتتمنى أن تقتني تذكرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية سواء بمساعدة الشعب أو الدولة لتستعيد صحتها وتستمر في العطاء، كما تحلم أن تصبح كاتبة مشهورة وسراجا وهاجا في عالم الأدب، حيث أبرزت تأثرها الشديد بأسلوب الكاتبة “أحلام مستغانمي” و”مصطفى المنفلوطي”، وهنا لم تخفي مبدعتنا أن عائلتها قامت برعاية موهبها، بعدما اعتبرت الكتابة في بادئ الأمر مجرد هواية ولن تتعدى محيط المراهقة، وستتخلى عنها بعد تجاوزها لهذه المرحلة، لكنهم غيّروا نظرتهم تماما بعد إصدارها الكتاب وصاروا يعلقون آمالا كبيرة عليها.
الكتاب تجربة شخصية تنحدر من وجع الطفولة
“ما وراء القناع حكايتي” هو بمثابة هديّة لمن يعتقدون أنّهم سيؤوا حظّ وأنّ الحياة ظلمتهم، هذا الكتاب لمن يظنون أن الحياة لم تهدهم سوى الوجع والمعاناة، هذا الكتاب أرادت أن تخبرنا من خلاله الكاتبة خديجة خربوش، أن المعاناة رحم المعجزات وأن النجاح لا يأتي إلا بعد سلسلة من الإخفاقات والمحاولات الفاشلة، وسعادة كل واحد فينا تختبئ في مكان ما من هذا العالم، والشخص الذي يستحق السعادة هو من لم تنطفئ عزيمته وإرادته يوما، بل شرع في رحلة البحث عن سعادته واثقا أن الله لم يخلقه عبثا في هذه الحياة بل لسبب معين.
الكتابة ليست هواية وكفى بالنسبة للمبدعة “خديجة خربوش”، بل أكبر بكثير من ذلك، فالكتابة شخص يقاسمها وحدتها وغربتها، وفي غربتها وعالمها تموت فيه أحزانها وتنفرج فيه كربتها، فتقول “إن الكتابة لغة ناجيت بها ربّ السماء، وسلاح تحديت به قدر الابتلاء”، وهي التي لم تنكر أن واقع النشر في الجزائر واقع مرير، ويتخبط المرء فيه بعدة صعوبات.
لكن ثقتها كانت كبيرة والصالون الدولي كان فرصتها للتعرف على السيد مهند الجهماني، مدير دار نشر الكتاب العربي الذي عانق كتاباتها وكلّه إعجاب بشخصيتها، ومنه وجدت أن المعرض الدولي فرصة للاحتكاك بكتّاب آخرين والاستفادة من تجاربهم ونصائحهم أيضا، لتبقى متفائلة لكل ما هو جميل مبدعتنا رغم الإعاقة التي حرمتها من المشي في سنها العاشرة من عمرها، ولأنّ كلّ ما هو نابع من القلب يصل إلى القلب، فوصل كتابها إلى كل شخص قراءه وتمعنى في حكايتها التي سردتها في مجموعة قصصية، عبر كلمات بسيطة مفعمة بالإحساس يعيشها القارئ حرفا حرفا سطرا سطرا.
عبر صفحات “وراء القناع حكايتي” ابداع من رحم المعجزات
بأسلوب مميز كتبت عبر صفحات “وراء القناع حكايتي” مجموعة من القصص والخواطر، سردت فيها أحلامها ومعاناتها، قالت في إحدى قصصها التي حملت مسمى “لست معاق”: “لست معاق فلي قلب يكبر مساحة عن مصر والعراق، لست معاق فلي روح ترى وتشتاق”.
هي كلمات جارفة نحو عمق المعاناة المبدعة “خديجة خربوش”، وهي عناق للحلم حين قالت “أحلامي تجاوزت أوجاعي وتجاوزت حبر الأوراق”، وفي تعريفها للحزن كتبت “لست أكره الحزن ففي الحزن نظمت أشعاري ومن الشعر طلع نهاري، لست أكره الحزن ففي الحزن أقداري وفي الاعتراف أطرح جنوني وأعذاري”، وبأمل كبير كتبت “أكيد سيطلع الفجر على سماء نافذتي وترقص الفراشات على معطفي تشرب من عاطفتي، سأقف على ساحة النصر يبللني مطر غزة ويشرب أهل بيسان من بسمتي”.
وعن الكتابة قالت “سأظل وفيا للكتابة وأحترق صبح مساء على خاطرتي”، وهكذا جمعت حكاياتها في “وراء القناع حكايتي”، حيث غردت في كتابتها بأمل وتحدي، وسردت للقارئ ما تحلم به، وما تبكي لأجله، وأهدته ذكرياتها وحقيبة أحزانها.