العولمة هي الوضع السياسي والاقتصادي والإعلامي …. الذي آل إليه العالم بعد الحرب الباردة، وسقوط حائط برلين، فهي الحالة السياسية والثقافية التي طغت على العالم ومن أهم ملامحها:
1- هيمنة القطب الأمريكي سياسيا .
2-تطور وسائل الاتصال والمعلوماتية(العالم قرية صغيرة ).
3-الانفتاح الاقتصادي الدولي .
فدخل العالم في مرحلة جديدة من تاريخه، ليست هي بالتأكيد نهائية كما اعتقد البعض، ولكنها أسّست لمسار عالمي آخر، وبعد حرب الخليج الثانية التي كانت أوّل اختبار للنظام العالمي الجديد، الذي بدأ يتشكل إثر نهاية الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفياتي، فأعلن “بوش الأب” الرئيس الأمريكي (1991) في العمل على تحرير الكويت : “إن ما يتعرض للخطر ليس فقط دولة صغيرة، وإنما تصور كبير، إنه النظام العالمي الجديد” فحاولت أمريكا توظيف العولمة لهيمنة دائمة، والمحافظة على خارطة العالم بجمهورياتها السوفياتية المستقلة الجديدة بما فيها أوكرانيا، وهناك من بشّر باستقرار النظام الجديد، حتى قبل استقراره تحت لواء الثقافة الغربية فكتب “فوكوياما” (نهاية التاريخ) وهناك من أعاد فلسفة الصراع، واستنسخ فعاليات الحرب الباردة مثل “صموئيل هنتجتون” في (صراع الحضارات ) وهناك من أشار إلى هذا الشرق النائم كمنافس كما أشار “نيكسون” في مذكراته أو “اندريه جروند فرانك” في كتابه (الشرق يصعد ثانية) و لكن هناك قطاعات واسعة من المثقفين يؤمنون ويؤيدون حوار الحضارات كجمهور مثقفي الشرق والجنوب وكثير من مثقفين غربيين في أوروبا يدركون خطورة هذا الطرح الأحادي والعدائي في هتك نسيج التعايش الدولي، وانهيار صرح المبادئ الإنسانية السامية، كما حاولت القوى اليمينية التحذير من الصعود المتزايد للثقافة الإسلامية، بسبب تزايد معتنقي الإسلام وانتشار هياكله الدينية والثقافية، فحاولت نشر هاجس إسلام/ فوبيا للحفاظ على الوجه الليبرالي المسيحي الغربي للعولمة.
والحقيقة أن العولمة والأمركة في صراع هيمنة، فالعولمة هي مرحلة تاريخية و الأمركة هي سلوك قوة تحاول الهيمنة على هذه العولمة »« و لذا يصبح من الخطأ القول أن العولمة والأمركة شيء واحد فالأمركة إيديولوجية أمريكية تهدف إلى قولبة العالم وفقا للنمط الأمريكي للحياة» (باسم علي، العولمة والتحدي الثقافي، ص 258) فأثارت تخوّفات مختلفة لاسيما من الثقافات المختلفة عن الثقافة الليبرالية، فرأوا في العولمة أنّها «تقفز على الدولة والأمّة والوطن وفي مقابل ذلك تعمل على تشتيت والتفتيت ، إن إضعاف سلطة الدولة والتخفيف من حضورها لفائدة العولمة تؤديان إلى استيقاظ أطر الانتماء السابقة على الدولة» (الجابري، قضايا فكرية معاصرة، 149)، وبعضهم اعتبر أنّ العولمة هي بداية لصراع حضاري ديني قادم كتوقعات الكاتب الفرنسي ورجل السياسة الشهير “أندريه مالرو (André Malraux) الذي يقول ( سيكون القرن الواحد و العشرين قرنا دينيا و إلا فإنه لن يكون ) و في هده المجابهة تبدو جميع المجتمعات في خط الدفاع اتجاه الصناعات الثقافية المدججة بالمبادلات العالمية و الاقتصاد التجاري … (جان بيير قارنيي، عولمة الثقافة، ص 59) وهنا تأتي الثقافة الإسلامية بوصفها أحد المضامين الدينية والثقافية في التأثير على العولمة ذات الواجهة الأمريكية (المسيحية اليهودية) وهذا ربما سبب آخر يدفع الطرف الآخر إلى التضايق من ثقافة تطمح أن تكون عالمية (و رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، قامت مفهوم العالمية فيها على أن الدين واحد من الأزل إلى الأبد، و أن الأنبياء أخوة في التعريف بالله و الدلالة على اقتياد البشرية إليه) (محمد الغزالي، عالمية الرسالة، ص7) وتسعى أن تكون القدس عاصمتها الحضاريّة، وهي محور الصراع العالمي الأبدي، وأمام هذا التنافس في الهيمنة على العولمة، بدأت تتشكل خارطة عالمية جديدة لما بعد العولمة، نتيجة تصاعد وهج التنين الصيني والدب الروسي، على حساب النفوذ الأمريكي، وكان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أحد تجليات بداية نهاية العولمة الأمريكية، لصالح عولمة متعددة الأقطاب، ينتقل العالم من خلالها إلى مرحلة الكونية، فبدأت روسيا الحرب على أوكرانيا بعدما استشعرت أنّ العالم يدخل هذه المرحلة الكونية، فأرادت أن يكون لها اليد العليا في عالم ما بعد العولمة، تواجهه تحديات الحرب العالمية والأسلحة النووية، في انتظار تغيّرات منتظرة متسارعة، هي من تداعيات هذه المرحلة أهمّها في الخليج العربي المصدر الآخر للطاقة، والمركز الثقافي الإسلامي بما يفتح العالم أمام ملحمة الحضارات والثقافات العالمية، في ظل إصرار العولمة الأمريكية على القتال لآخر نفس أمام الأقطاب العالمية المتصاعدة، وأحداث أوكرانيا هي مجرّد تمهيد لأحداث أكبر تعيد تشكيل خارطة العالم الجديدة لما بعد العولمة.
بقلم: محمد حسن مرين