قصبة الجزائر.. مدينة تنام على وقّع التاريخ

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

قصبة الجزائر العاصمة المدينة العتيقة التي ألهمت فنانين عشقوها وجسدوا سحرها عبر لوحاتهم والتي أبهرت الناضر لها أمثال محمد راسم، واحتضنت شخصيات صنعت التاريخ أمثال ياسف سعدي، علي لابوانت، حسيبة بن بوعلي، ومن الشخصيات الفنية التي أنجبتهم القصبة وتربو بين أزقتها الضيقة التي تخلق الإبداع، محي الدين بشطارزي، عبد القادر شاعو، الحاج محمد العنقى، وغيرهم من المبدعين. 

سارة فراح

تعد القصبة من أهم معالم التراثية التي بقيت شامخة رغم انهيار جزء منها عبر حقب مختلف التي مرت عليها، إنما بقت محافظة على أصالتها وذكرياتها عبر مساجدها وقصورها، كيف لا وهي التي أدرجت ضمن التراث الوطني من العام 1991 وبعد سنة أدرجت من طرف اليونيسكو في سجل التراث العالمي.

يرجع ميلاد القصبة كحضارة عريقة إلى قرن العاشر ميلادي أين أسسها وبناها بلوغين بن زيري بن مناد وفي القرن السابع عشر تم تشيدها من طرف بابا عروج لتصبح بعدها تحت السلطة العثمانية حيث تركوا أثارا عمرانية لازالت إلى يومنا هذا، تم بناء القصبة على جبل  لتكون قاعدة عسكرية مهمتها الدفاع عن القطر الجزائري كله، وهي مبنية على طراز تركي عثماني تشبه المتاهة في تداخل أزقتها و كانت القصبة عبارة عن حصن يغلق ليلا وله عدة أبواب في جهاتها الأربع أهمها باب الدزيرة، باب الوادي، باب عزون، باب الجديد، وباب البحر.

مساجد لازالت تقاوم الزمان وتنسج ذكريات

لما يسير الزائر بين أزقة القصبة الضيقة والتي تشبه المتاهة لكنها جميلة ورائعة تنبعث من أزقتها المظلمة وأخرى منيرة بأشعة الشمس، تحمل حكايات وذكريات، كما لا داعي لزائر أن يأخذ معه قارورة ماء، لكون القصبة لا تخلوا من الحنفيات ومن أهمها “بئر جباح” بأعالي القصبة، ومن المساجد التي لازالت شامخة وتنسج هي الأخرى حكايات أهمها مسجد كتشاوة والذي يعني سوق الماعز وهو المبني 1209-1794، ومسجد علي بتشين، وفي عمقها مازالت مساجد قائمة تتحدى الزمن كمسجد سيدي رمضان الذي يرجع تاريخه إلى القرون الوسطى وجامع السفير وسيدي محمد الشريف وهناك من هدمت كجامع السيدة الذي كان متواجد في مقر ساحة الشهداء حاليا وقصر الجنينة الذي يعد المقر الأول للدايات.

قصور عتيقة ترسم حكايات بين أزقة القصبة

من القصور التي بقيت شامخة في القصبة سواء في عمقها أو في أسفها أو حتى في أعاليها، دار الصوف، دار حسان باشا، دار الحمراء، دار عزيزة الموجودة في ساحة ابن باديس بالقصبة السفلى وهو القصر الذي منحه الداي لإحدى بناته المسماة عزيزة وهو حاليا مخصص كإدارة، بالإضافة إلى قصر مصطفى باشا والذي يعد متحف في المنمنمات والخط العربي بشارع الإخوة مشري ويعد من القصور المرموقة.

وفي حي سوق الجمعة نجد المتحف الوطني للفنون والتقاليد والشعبية والمعروف بدار خداوج العمياء، وفي أعالي القصبة الداي المعروف بدار السلطان، ويعد قلعة القصبة بني سنة 1516 بأمر من عروج بربروس كحصن عسكري مساحته تتربع على 1.3 هكتار وهو مكان وقوع الحادثة المروحة، يحتوي على العديد من القصور والدور الفاخرة التي كان يسكنها الرياس “قادة الأسطول” ولا زال تحت الترميم، لكن المؤسف أنه تم تهديد جزء من القصبة السفلى سنة 1930 أي منذ أن وطأة أقدام الاستعمار الفرنسي فكانت القصبة تبدأ من القصر الداي وتنتهي عند قصر الرؤساء البحر المرتمي على شط البحر ويعد مركز للفنون والثقافة يحتضنه لوحده ثلاث قصور في منتهى الروعة مع مرافق للصيادين تتمثل في ستة منازل بالإضافة إلى منزه رائع.

قصبة الجزائر صنعت مجد شهداء الجزائر

بين أزقة القصبة نجد بعض منازلها لازالت شاهدة على أيام الاحتلال الفرنسي لازالت تحتفظ بذكريات ولازالت روح شهدائنا تجوب المكان وتمجد الثورة الجزائرية فاشهدي يا ازقة القصبة على شهدائنا الابرار، فلعبت دور البطولة وكانت مخبأ العديد من الفدائيين الذي ضحوا من أجل حرية الجزائر، وأبلغ دليل دار الشهيدة حسيبة بن بوعلي والشهيد علي عمار المشهور بعلي لابوانت اين سقطوا بتاريخ ثامن من شهر اكتوبر في العام 1957 اثر اشتباك عنيف مع قوات العدو الفرنسي إلى أن دمر المبنى بالمتفجرات ليسقطوا هؤلاء الأبطال تحت الأنقاض، فبمجرد الوقوف على عتبة هذه الدار تقشعر الأبدان بكوننا نقف على عتبة تاريخ مجيد، يلامس القلب وحب الوطن وعظمة شهدائنا لتصبح هذه الدار بعد الترميم متحف يضم صور لشهدائنا والجزء الأخر من المنزل يبقى شاهدا عن مأساة ذلك اليوم ووصمة عار تلاحق الفرنسيين، فلترقد روح أبطالنا بسلام فهم أبطال التاريخ، وشهداء الجزائر.

منارة القصبة “سيدي عبد الرحمن”

إذ قلنا القصبة أكيد سنقول سيدي عبد الرحمن الثعالبي الذي ينام في عمقها ويعد منارة القصبة، ولد من العام 1381-1470 بواد يسر بتزي وزو، من أهم مؤلفاته “الجواهر الحسان في تفسير القرآن الكريم” توفي عن عمر يناهز تسعين سنة ومن حينها والناس يقصدون ضريحه المزين بثريات التي تبقى تنيره على طول الزمن، كما لا يخلوا من لوحات الفنية التي شكلت فيها رحلة الإسراء والمعراج وبعض الآيات القرآنية، وحتى جدران القاعة الموجود بها ضريح “سيدي عبد الرحمن” نجدها إما مزخرفة بفسيفساء نباتية وأما الآيات القرآنية والأقوال المأثورة.

إلى جانب سيدي عبد الرحمن ينام بوجمعة لمكناس وفي نفس القاعة نجد كل من مصطفى باشا، محمد باشا وأحمد باشا، فكل من يقصدون ضريح سيدي عبد الرحمن يقومون بعد انتهاء الزيارة بقراءة الفاتحة وتقبيل السانجاق المغطى به وهو نوع من الأقمشة ذا اللون الأخضر، كما هناك من يصلي ركعتين يدعو ويتضرع كما ينوون وينذرون وإذا تحققت أمانيهم يخرجون وعدة لأجله.

ونحن نكتشف المكان وقدمت عجوز كبيرة في السن وبدأت تتكلم كلاما غير مفهوم إلا القليل حين قالت: “أنا في يدك يا سيدي عبد الرحمن”، بالإضافة إلى زاوية المنحازة عنه وليست ببعيدة وتتمثل في رواق خاص يكتسي بالشموع منيرة، فهناك من يقصدون سيدي عبد الرحمن بدافع ثقافي والأخر بدافع ديني عرفي ومن المشهورين الذين زاروا منبر القصبة كانت كل من إيزابيل ملكة انجلترا والعلامة ابن باديس في زيارته لأخر بايات قسنطينة.

تبقى القصبة ساحرة رغم كل ما فيها

كل البيوت القصبة تحتوي على ساحة مربعة الشكل مكشوفة بدون سقف في وسطها يعرف بصحن الدار وبئر ونافورة ماء من حولها بنيت على شكل  معماري إسلامي متميز، كما تتفرد دور القصبة بنوافذ صغيرة مزينة بقضبان حديدية جميلة وتتميز دورها أيضا بالتقارب الشديد بين بعضها البعض بحيث يسهل جدا القفز من دار إلى دار بل يستطيع الإنسان اجتياز القصبة كلها عبر سطوح المنازل، والتي لعبت دورا كبيرا أيام الاحتلال الفرنسي وساعدت ثورا الجزائر ودوخت العدو عبر أزقتها التي لازالت تخفي حكايات من تلك الحقبة التاريخية التي مرت على الجزائر، ومنها كان اللقاء مع بعض ساكني القصبة العتيقة والذين عبروا بجمالية القصبة كأم محمد القادمة من سوريا وليلا الجزائرية التي عبرت عن تأسفها لما حالت إليه القصبة المحروسة من إهمال من طرف السلطات وحتى من طرف قاطنيها الحاليين الذين لا يعدون سكانها الأصلين.

القصبة حضارة عمرانية جديرة بالاهتمام

تمثل القصبة من أهم كنوز التراث الثقافي للجزائر ويجب على السلطات المعنية المحافظة عليها لأجل تخليد هذه الحضارة العمرانية للأبد والتي كانت منبع الإلهام لكل من الشعراء ولكبار الرسامين الذين تفننوا بإبداع جمالها ومعالمها، أمثال الفنان المبدع “محمد راسم”، مع جدير الذكر بمن تغنوا بالبهجة والبيضاء القصبة العتيقة أمثال عبد القادر شاعوا “القصبة وحنا ولادها ولي صار يصير” والشيخ قروابي حين قال من اشتياقه لها “ألو الو من فضلك جوزيلي القصبة”.

في الأخير لا نظن أن التعليق والوصف كافي لإيصال روعة القصبة البيضاء فأنصحك عزيزي القارئ إلى زيارة القصبة وتجوال بين أزقتها حينها تلمح نفسك وكأنك تسير في متحف مفتوح على رياح الإبداع ورياح الذكريات.

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x