عبد الله مناعي.. عندليب الأغنية السوفية

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

يعد من أكبر فناني الفلكلور الجزائري الصحراوي

يعرف بعندليب الأغنية السوفية دخل العالمية انطلاقا من المحلية، تميز بصوته القوي وطلته المميزة التي يلمس منها التواضع، فعاد بذلك محب الجماهير ومن أكبر فناني الفلكلور الجزائري الصحراوي، ورغم إصدارته القليلة في مجال فنه إلا أن الكثير ردد أغنيته التي كانت من تأليفه وألحانه “بنت العرجون”، إنه الفنان عبد الله مناعي الذي عرف بارتجاله فوق الركح في العديد من الحفلات، وتألقه في تقديم الأغاني التي نبعت من موسيقى أصيلة “المزود”، تقربت منه “أهل الفن” وعادت لكم بهذا البورتري.

صارة بوعياد

التقت “أهل الفن” بالفنان عبد الله مناعي ابن مدينة ألف قبة “وادي سوف”، الذي ولد فيها عام 1941، والمعروف بشعبيته في منطقته والجزائر من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها، هذا وذاع صيته عند المغاربة خاصة تونس البلد الشقيق، غادرت عائلته إلى تونس أين كبر عبد الله وتعلم القرآن وبحكم التقارب الثقافي بين أهل وادي سوف والتونسيين لم يشعر عبد الله بالاغتراب بل بالعكس ساعده التقارب للتعايش مع الفن والثقافة التونسية التي نهل منهما الكثير، ليتميز بجمع بين الثقافتين الجزائرية والتونسية الذي انعكس إيجابا على إنتاجه الفني ليكتسب بعدها جمهورا واسعا من تونس إلى الجزائر.

وفي حديثه لـ “أهل الفن” قال مناعي، أنه انخرط في بداياته ضمن فوج الكشافة الاسلامية في تونس، مردفا بقوله “الكشافة الإسلامية كان لها الفضل في كل شيء، حيث قدمت لنا المبادئ الإسلامية وفتحت لنا البصيرة، فكان تعزز فينا الأخلاقيات والأدبيات، كما تشبعنا بالروح الوطنية حيث تعلمت الأناشيد الثورية والكشفية التي اكتشف من خلالها تميزي في الغناء.”

لمساعدة عائلتي كنت مقدم حفلات في فرنسا

وفي العام 1955 فقد عبد الله مناعي والده وعمره آن ذاك أربعة عشر سنة، وعن هذا الحدث الأليم قال لـ “أهل الفن”: “عند وفاة والدي كنت الأكبر بين اخواتي، فأخذت على عاتقي مساعدة أمي في تربيت أخواتي الصغار، حيث كنا في البيت أربعة بنات وثلاثة أولاد، وعليه اشتهرت بكلمة “المرضي” إذ يقول الجميع لي “صحا عليك يا المرضي” وجاءت التسمية نسبة إلى رضا الوالدين وخاصة رضا أمي بعد وفاة والدي.”

وحين ازدادت أعباء العائلة ولم يكن الحال في تونس بأحسن من الجزائر، قرر الفنان عبد الله مناعي البحث على مصدر قوت يساعد به أهله وأمه التي ترملت في عز شبابها، وفي عام 1959 سافر إلى فرنسا ككل الجزائريين باحثا عن عمل، فكان يشارك في الحفلات التي تنظمها الودادية الجزائرية بأوروبا حسب تصريحه لـ “أهل الفن”: “كنت مقدم حفلات، وكنت أجتمع الكثير مع إخواني الجزائريين في فرنسا، منهم كمال حمادي، سلوى، نورة، كما اشتغلت مع الرايس التونسي، سامي الجزائري، وعليه كنت مسؤول أخلاقي ومساعد مادي لكل من يحتاج إلى مد يد العون.”

وفي عام 1970 عاد عبد الله مناعي إلى الجزائر وإلى وادي سوف موطنه الأصلي، ليجد أن المدينة بدأت تكبر وتتغير وبدأت مظاهر الغبن والفقر تزول عنها، فتح ورشة للحدادة يشتغل فيها صباحا، وفي المساء كان يمارس هواية الغناء بينه وبين نفسه.

وفي العام 1971 بدأ احترافه للغناء ومع مرور الوقت اشتهر فكان أول ظهور له على التلفزيون الجزائري عام 1976 وهو يرتدي عباءته السوفية ومزماره الذي يصدح بألوان الغناء السوفي الذي لم يكن يعرفه معظم الجزائريين، فعشق الناس هذا الفنان لخفة دمه وبساطة لباسه وفصاحة لغته التي كان يفهمها الجميع، فذاع صيته وكانت الانطلاقة الحقيقية، فجال عبر ربوع الوطن من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه.

تميز بغناء التراث المحلي والأغاني التونسية والليبية

ومن عام 1980 صعد مناعي الركح للغناء بقرطاج في تونس، التي كانت بمثابة الانطلاقة نحو العالمية، ومنه صال وجال في جل البلدان العربية والأوروبية وبذلك اكتسب جمهورا عريضا من العالم أجمع وخاصة بدولة تونس الشقيقة، حيث امتاز بأدائه للمواويل الارتجالية ومن أغانيه “بنت العرجون، والله يا غالية، غرام زهور، ماذا بكت هالعين، صباحها يربح، ربيعة، لازم نزوره.”

كما أكد لـ “أهل الفن” أنه التحق في مدينة الوادي بالفرق الموسيقية التي كانت تحيي حفلاتها وأفراحها، فكان متميزا يجمع في غناءه كما صرح لنا ما بين التراث المحلي والأغاني التونسية والليبية، بحكم أن مدينة الوادي منطقة تقاطع بين تونس وليبيا والتراث المحلي هو تراث مشترك يجمع بينهم.

وبقي مناعي يبحث عن لون يميزه عن المغنيين الآخرين، فوجد في آلة الزرنة “المزمار” الصوت المناسبة لأداء اللون التراثي، فراح يغني في الحفلات الكبرى، ويمثل الجزائر في المحافل الدولية، واستطاع بتمسكه بتراث مدينته وادي سوف التي تزخر بتاريخ عميق وبتراث ثري من الأغاني القديمة أن يدخل إلى العالم بدون أدنى تكلف، ولا يزال عبد الله مناعي يواصل رسالته الفنية من خلال إحياء الحفلات والمشاركة في الأعراس، وقد غنى مع نجوم الأغنية العربية مثل المطربة “هيام يونس” التي غنت معه أغنية “يا بنت العرجون” على ركح تيمقاد.

سر الأغنية السوفية “بنت العرجون” عند عبد الله مناعي

ولأغنية “بنت العرجون” بالتحديد ميزة خاصة كشفها الفنان مناعي لـ “أهل الفن” “عندليب الأغنية السوفية” حيث قال “أغنية “يا بنت العرجون” لو يقوم بأدائها أي شخص حتى لو كان من نفس منطقتي لن يستطيع أن يغنيها مثلي، فهي من الأغاني السوفية والسر كله في التلحين لأنها تختلف نغماتها ونوطتها من مقطع إلى أخر، -يقوم بأداء مقاطع منها- “يا بنت العرجون ردي عليا، عجبني خيالك، يا هابطة للغوط، وين رجالك، نتقدم بالخير…” -يواصل حديثه- “ويلتزم لأدائها الكثير من الدهاء والذكاء، زد على أن الأغنية تدخل للمتلقي غصبا عنه، ومن ميزة الأغنية “يا بنت العرجون” أنني أغير فيها دائما لكي أجلب الجمهور أوسع، ولكي أترك العاشق الأول للأغنية أن يستمع لها دائما.”

وفي حديثه عن مشواره الفني، قال مناعي لـ “أهل الفن” “أقوم بأداء الأغنية النسوية والتي تعد من الأغاني التي تحكي معاناة وأحلام النسوة، فالمرأة كانت تغني وتلحن وتألف، هي لهجة امرأة يغنيها رجل، وعلى ضوء ذلك تقربت للمرآة أكثر، ويكفي أنه رغم أنه ليس في رصيدي الكثير من الأغاني لكن ما أملك منها صادق فيه وهو الأهم بالنسبة لي حيث كنت أسعى ولا زلت إلى النوعية لا الكمية.”

لكن ما تأسف له مناعي في حديثه معنا، أن الأغنية العربية لها نتاج مميز في تمازجها ما بين الدول العربية، حيث في مشرق ننتج أشياء مشتركة مع بعضهم البعض، ويحدث الاحتكاك والتواصل لكن فكرة أن التواصل لم تصل بعد إلى ذهن المسؤول الجزائري الذي وجده “لم أعرف العراقيل والصعوبات في حياتي الشخصية ولا الفنية، سوى عرقلة وحيدة تتمثل في المسؤول الذي لا يسعى لتطوير الثقافة في الجزائر وهي تدحرج وما زالت للأسف في عنق الارتجالية.”

هناك من يعمل على أخذ الشهرة مني وأنصحهم بالتكوين

أضاف “عندليب الأغنية السوفية” أن الأغاني التي يقوم بأدائها كلها تدخل في نطاق الأغنية باللغة الشاعرية والتي أحبها الجمهور وتعلق بها، حيث قال “إن المدرسة الحقيقية للمناعي هي الجمهور الذي أجده مرآة صادقة ومحب لما أقدمه، فأقولها بصدق علمني الجمهور وأكبر مدرسة هي الجمهور.”

كما أكد لـ “أهل الفن” “هناك من يعمل على أخذ الشهرة مني، لكني أنصحهم بالتكوين في مدرسة الموسيقى بالوادي، والأهم ليس في التقليد بل في صنع التميز بالغناء في لون موسيقي جديد ومميز وليس اللون الفني للمناعي، كما أنصحهم بأن الغناء ليس في حمل المكرفون وإنما الغناء فن راقي وأصيل وهو أخلاق وأدب قبل كل شيء، وبتالي لابد أن يتحلى الفنان بالثقافة قبل المغنى، لكن الكل ينسى الآداب والاحترام.”

وهنا كشف مناعي عن سر عودته إلى الجزائر، “وجدت أن أغلب الفنانين الجزائريين بعد الاستقلال حاولوا أن يشوهوا الأغنية الجزائرية، والابتعاد عنها، وشخصيا كنت أتخلى عن الأغنية الجزائرية وأحاول تقديم أغان لصباح فخري وعبد الوهاب وفريد الأطرش وعمالقة الأغنية العربية آنذاك، لكني لم أكن أقدم على تقديم الأغنية الجزائرية كغيري من فناني ذلك الجيل، لكن ومع مرور الوقت تغيرت نظرتي اتجاه هذا الفن وقررت أن أقدم أغاني مستوحاة من التراث الجزائري أعبر فيها عن أصالة وعراقة الأغنية الجزائرية، فكانت الأغنية السوفية الصحراوية معبرا لتحقيق ذلك.”

شاركت في مسرحية “جبهة التحرير مخلتناش” مع المسرحي أحمد بودية

وبخصوص الفن الرابع قال عبد الله مناعي لـ “أهل الفن”، “إن المسرح مرآة الشعوب يصل للعالمية، حيث لغة المسرح تصل إلى الجميع، وعليه شاركت في مسرحية “جبهة التحرير مخلتناش” في فرنسا مع المسرحي أحمد بودية، كما مثلت دور “الراوي” في عرض مسرحي “قمحنا لنا”، كما لم يخفي مشاركته في اوبيرات من تأليف سليمان جوادي وتلحين محمد بوليفة، بمشاركة كبار الفنانين.”

وعلى ضوء حديثه عن أبي الفنون، أشار إلى مطلب سكان الوادي ببناء مسرح للمدينة، لكن السبب في تجميد المشروع حسبه، يعود لعدم تدريج المسرح ضمن مخططات الحكومة الجزائرية، وكأن مسؤول الثقافة في الجزائر لا يهتم لبلد يشكل قارة وفسيفساء ثقافية.

قال مناعي لـ “أهل الفن” في أخر الحديث الذي جمعنا، “إن دخول العالمية يجب أن يكون انطلاقا من المحلية التي يجد الأخر فيها الاختلاف والتنوع”، ويواصل حديثه “هناك الكثير من يعتقد أن من غنى في عدد من العواصم العالمية يعد فنان عالمي، حيث ليس كل من زار العالم أصبح فنانا عالميا، فشخصيا أرى أن الفنان حتى يصل إلى العالمية لابد أن يقدم أغانيه بهويته الأصلية لا بهويته المزيفة التي يلبسها بمجرد وصوله لمطارات العالم، وبالتالي الفنان المحافظ على هويته المحلية هو الفنان المصنف في خانة الفنان العالمي.”

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x