القصبة.. ريحة جدّي في زنقة السفير

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

اشتم تلك الرائحة البعيدة القريبة من ذكرياتي، ريحة جدّي، ريحة القصبة، واتذكر جيدا ذلك اليوم وأنا قادمة من حي الشعبي باب الوادي مرورا بساحة الشهداء، وقفت حينها أمام ثانوية الأمير عبد القادر مع والدي وأختي، لا أدري كيف بدأ الحديث عن القصبة التي لا تبتعد عنا سوى بضع دقائق، وقلت لأبي “بابا خذنا إلى القصبة” لبيت جدّي وجدّك ومكان ولادتك.

نظر لي أبي منصدم، لم أفهم سبب تلك الصدمة وقال لي “اعفيني من الذهاب إلى القصبة، نسيت مكان بيتنا السابق”، وأنا في صغر سني لا أفهم تلك الصدمات فزدت إلحاحا بأن يأخذنا إلى القصبة، فجأة دمعت عيون أبي وعدت أنا وأخت في صدمة أخرى لم نتوقعها، قال لي أبي “لماذا توقظينا الحنين إلى البيت الأول يا بنيتي”.

صعب أن يبكي الرجال في مجتمعنا وصعب أن يبكي الأب أمام ابنته، تلك الدموع غالية على قلبي يا أبي فلا تبكي يا عيوني، بعد برهة من الصمت والحزن يخيم علينا من كل النواحي وكأن ميتا وقع بيننا في تلك اللحظة، تشجع أبي أخيرا وقرر الذهاب بنا إلى بيته الأول مكان ولادته وصرخته الأولى في الحياة، عدنا أدراجنا بقليل وسلكنا أدراج عالية من يعيش في الأحياء الشعبية القريبة من باب الوادي يعرفها جيدة فهي الواقعة ما بين جنينة مارينغو وثانوية الأمير عبد القادر،  نصعد مباشرة إلى رونفالي مسكن الفنان الشعبي فنان الزوالية وليد الشعب أعمر الزاهي رحمه الله وكما يحلوا للبعض تسميته “عميمر”، ومررنا أيضا بضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي، ومدرسة ابن شنب الذي تعود أصوله لعاصمة التيطري، وبين أزقة وأخرى تغيرت الأوراق كلها وضعنا جميعا في متاهة القصبة.

إنها متاهة ماتعة، قرر أبي بعد التيهان في أزقة القصبة أن نصعد إلى القصبة العليا ونعود أدراجنا من جديد لكي نتعرف على بيته الأول، بعد جهد وتعب في السير نحس بالعطش وما نحن نسير إلا ونجد حنفيات متفرقة في مختلف الأزقة، أتذكر أننا شربنا حينها من عين المسماة بئر جباح.

سأل أبي أحد المارين عن جامع السفير الذي هو على مقربة من البيت، ونحن نسير إلى تلك الأزقة روى أبي علينا حكاية وقال فيها، ذات يوم وجدّي عائد إلى البيت من صلاة الظهر التي صلاها بجامع السفير غلبه النعاس أمام باب المسجد وحين استيقظ من غفوته وجد البرنوس الذي كان يرتديه مملوء بالمال، فعاد يصرخ “أنا ما نيش طلاب.. ما نيش طلاب” وحمل كل ما جمعه من مال نتيجة غفوته وقدمه لإمام المسجد لكي يتبرأ من ذمة الطلبة.

صرخ أبي هنا هذا هو البيت، بابه مقوس بني اللّون أكل الزمن منه الكثير، طرقنا الباب لا أحد يرد، أبي دخل دون استئذان وقال لنا هنا ولدت وهنا نمت وهنا حلمت وأنا صغير في عمري السنة أن تستقل الجزائر.

صعدنا الأدراج خفية وكأننا في مهمة سرية من قبل الجيش التحرير الوطني، إن الأمر حقا معقد فبمجرد أن تدخل أحد بيوت القصبة أو تمشي في أزقتها بدنك يقشعر وترى الشهداء الذين سقطوا من أجل أن تحيا الجزائر.

تعرفنا على خالتي فطوم أقصد جارة “ماني” القديمة ورحبو بنا في يوم الأول لعيد الفطر. وعاد أبي إلى بيته الأول.

صارة بوعياد

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x