عبد الحميد بن هدوقة.. سيرة وحياة

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

عبد الحميد بن هدوقة ( 09 جانفي 1925 – 21 أكتوبر 1996) ، صاحب أول رواية جزائرية مكتوبة باللغة العربية، ريح الجنوب التي نشرت في سنة 1971، تسع سنوات بعد استقلال الجزائر. يعد من أشهر الأدباء الجزائريين، له عدة روايات و قصص قصيرة، كما شغل العديد من المناصب.

ولد عبد الحميد بن هدوقة في 09 جانفي 1925 بقرية الحمراء التابعة لمنصورة بولاية برج بوعريرج 200 كلم شرق الجزائر العاصمة.

نشأ عبد الحميد بن هدوقة في عائلة اشتهرت بالعلم في كامل المنطقة حيث كان والده الذي تلقى العلم في جامعة القرويين بفاس بالمغرب، فقيها ومعلما درّس القرآن و أصول الفقه و الأدب و اللغة في مختلف قرى المنطقة بين برج بوعريرج والمسيلة و غيرها.

يقول عبد الحميد بن هدوقة أن طفولة الجزائريين الذين ولدوا بين الحربين العالميتين ” كانت طفولة صعبة يميزها واقع مؤلم ويطبعها البؤس والتعاسة، خصوصا في الأرياف”. غير أنه يعتبر نفسه أسعد حظا مقارنة بنظرائه الآخرين لأنه نشأ في عائلة مثقفة نسبيا مقارنة بالوضع السائد في تلك الفترة. و كان لأبيه ” تكوينا يشابه تكوين أعضاء جمعية العلماء المسلمين و إن لم ينتسب إليها.”

خلال صباه، التحق عبد الحميد بن هدوقة بالمدرسة الفرنسية الموجودة في المنصورة. وبالإضافة إلى تمدرسه كان يحفظ القرآن الكريم وأصول الفقه بالإضافة إلى قصص ألف ليلة و ليلة و سيرة بني هلال و ألفية بن مالك و غيرها من الكتب.

أبوه مدرسته الأولى

كما يعتبر عبد الحميد بن هدوقة نفسه، محظوظا لأنه نشأ وسط الكتب، إذ يقول إنه عندما بدأ يحبو كان يحبو مع الكتب. حيث كانت تملك عائلته مكتبة ضخمة متوارثة عن الأجداد، تزخر بأمهات الكتب و كتب أخرى قيمة جدا لا تثمن بثمن كونها مخطوطات كتبت على الورق الشاطبي الذي كان مشهورا بالأندلس نسبة إلى مدينة شاطبة الأندلسية التي كانت مشهورة بصناعة الورق. كما كانت تتضمن مخطوطات تعود إلى القرن الخامس عشر و السادس عشر و السابع عشر، منها في الفقه و الأصول و منها في القراءات  و منها ما هو في النحو و الصرف و البلاغة و منها ما هو في التاريخ و علم الفلك و فن الزراعة و الصيدلة و رسائل أمراء الأندلس التي سيحرقها الاستعمار الفرنسي خلال الثورة التحريرية بعدما جعلت قرية الحمراء منطقة محرمة و تم تهجير جميع سكانها من ديارهم.

و فيما يخص أولى مطالعاته للكتب عندما كان صغيرا. يحكي عبد الحميد بن هدوقة أن أمه كانت تنسج الزرابي، و كان أبوه يجلس في زاوية البيت بينما هو يقرأ القصص على أمه في الليل ساهرين على قنديل البترول، حيث كان يقرأ قصص عنترة و قصص الواقدي و قصص إفريقيا و الشام و غيرها، و بعض قصص من ألف ليلة و ليلية التي كانت الجزء الأهم التي يختارها له أبوه. و حينما تسأله أمه عن معنى جملة أو كلمة لم تفهمها، أحيانا كان يرد عليها بالخطأ فيقوم والده بتصحيح الخطأ سواء كان معنويا أو لغويا.

فوالده، إذن، كان بمثابة مدرسته الأولى، إذ قرأ عبد الحميد بن هدوقة على والده كتب الأجرومية في أصول النحو و شذوذ الذهب في النحو و أليفة بن مالك في النحو و شرح الماكودي و شرح بن عقيل في النحو و قرأ كذلك كتب ابن عاشر في الفقه و الدرة البيضاء في الفقه و الحساب و الأخضرية في الفقه و خليل بن إسحاق الذي كان مشهورا في القرى الجزائرية و غيرها من الكتب.

يقول عبد الحميد بن هدوقة في حوار مع الكاتب التونسي، بن جمعة بوشوشة،  في كتابه الرواية الجزائرية العربية “تربيت في أسرة عربية إسلامية  متدينة و مثقفة وزاولت أغلب دراستي في الفنون الأدبية التقليدية و العلوم الشرعية على والدي الذي كان حافزي على التحصيل و العلم ” . أما بخصوص إلتحاقه بالمدرسة الفرنسية الموجودة بالمنصوة، يقول أن ذلك كان إرغاما من أخواله إذ أباه كان نفورا من تعليم ابنه الفرنسية.

أخواله، و هم من العائلات المشهورة في المنطقة أيضا. إذ يقول ” إنني التحقت بالمدرسة الابتدائية بالمنصورة فتابعت دروس تعليمها باللغة الفرنسية حتى نهايتها. ولكن والدي لم يكن راضيا على التحاقي بهذه المدرسة التي أرغمني على دخولها أخوالي. وبعدها انتسبت إلى المدرسة الكتانية بقسنطينة وإرضاء لوالدي قصدت الزيتونة بتونس…”

التحاق عبد الحميد بن هدوقة بجامع الكتانية بقسنطينة:

في سنة 1940، خلال الحرب العالمية الثانية، التحق بمعهد الكتانية التابع لحزب الشعب، و سنه لا يتجاوز الخامسة عشرة.

لقد كان في قسنطينة معهدين مشهورين خلال الأربعينيات من القرن العشرين، و هما معهد بن باديس التابع لجمعية العلماء المسلمين و معهد الكتانية التابع لحزب الشعب. هناك كان الاحتكاك بمناضلي حزب الشعب أو حركة انتصار الحريات الديمقراطية.

سفره إلى مرسيليا بفرنسا

بعد شهر واحد من أحداث 8 ماي 1945، التي ضربت منطقة الشرق الجزائري، شد عبد الحميدبن هدوقة الرحال إلى مرسيليا. حيث وصل في جوان 1945 بالتحديد عند أحد أقربائه الذي كان تاجرا.  دخل إلى معهد التكوين في تحويل المواد البلاستيكية و نال دبلوم قبل أن يلتحق بمصنع لتحويل المواد البلاستيكية . هناك و لمدة ثلاث سنوات كان له احتكاك بالواقع المرير للمهاجرين الجزائريين الذين كانوا في فرنسا طلبا للقمة العيش في مصانع رونو و سيتروان. ذلك الواقع الذي سينقله من بعد في “الكاتب و قصص أخرى”.

التحاقه بجامع الزيتونة بتونس

التحق عبد الحميد بن هدوقة بجامع الزيتونة في سنة 1949، فبعد عودته من فرنسا كان قد وجد ابن عمه المسعود بن هدوقة طالبا من طلبة الزيتونة، فقرر مرافقة ابن عمه إلى جامع الزيتونة و نجح في تسجيل نفسه هناك في سنة 1949.

و تتلمذ على عديد من الأساتذة الزيتونيين من بينهم عثمان كعاك و محمد الفاضل بن عاشور و محمد الصالح و لحبيب بن خوجة قصار الشاعر المشهور و غيرهم من الأساتذة الممتازين في الثقافة العربية الإسلامية.

جامعة الزيتونة بتونس

و إلى جانب دراسته بجامعة الزيتونة، التحق عبد الحميد بن هدوقة  بمعهد التمثيل العربي حيث زاول دراسته هناك لأربع سنوات. و خلال دراسته في تونس نال الشهادة العالمية في الأدب من جامعة الزيتونة و شهادة التمثيل العربي من معهد فنون الدراما في تونس.

السلطات الاستعمارية تلقي القبض على عبد الحميد بن هدوقة و فراره من السجن

إلى جانب دراسته، كان لعبد الحميد بن هدوقة نشاطا سياسيا بارزا في الحركة الطلابية بالزيتونة حيث ترأس جمعية الطلبة الجزائريين بتونس رفقة علي كافي كممثلين لحركة انتصار الحريات الديمقراطية. وفي سنة 18 جانفي 1952، ألقي عليه القبض من قبل السلطات الاستعمارية بتونس بعد أحداث 18 جانفي 1952 ، حيث تم نقله إلى سجن المحمدية بتونس، غير أنه تمكن من الفرار و العودة إلى الجزائر .

العودة إلى الجزائر و اندلاع الثورة التحريرية

هناك زاول التدريس بمعهد الكتانية بقسنطينة. و غداة اندلاع الثورة التحريرية،  و في 5 نوفمبر 1955، جاءته معلومات مفادها  أن البوليس الاستعماري سيعتقله، فهرب إلى قريته الحمراء قبل أن يرحل إلى فرنسا مرة ثانية.

في فرنسا اشتغل في معمل للبلاستيك، كما دخل في تربص من سنة 1956 إلى 1958 في الإذاعة و التلفزة الفرنسية عمل كمخرج إذاعي. كما كتب عدة تمثيلي للبي بي سي.

العودة إلى تونس

في سنة 1958، عاد مرة ثانية إلى تونس حيث تعاقد مع الإذاعة التونسية تحت إشراف جبهة التحرير الوطني التي قامت بتهريبه من فرنسا. وقام بإنتاج عديد البرامج الإذاعية أهمها برنامج “ألوان” الثقافي للتعريف بالأدب المغاربي سواء المكتوب بالعربية أو بالفرنسية، بالإضافة برنامج خاص بالأطفال تحت عنوان ” جنة الأطفال” بالإضافة إلى تمثيليات إذاعية أسبوعية تمزج بين البوليسي و الاجتماعي.

تلك المسرحيات الإذاعية نالت شهرة واسعة، حيث كانت تصل عبد الحميد بن هدوقة ما يفوق 6000 رسالة أسبوعيا من قبل مستمعي الإذاعة التونسية.

و حينما كان بالإذاعة التونسية كتب ما يزيد عن 30 تمثيلية تتعلق بالثورة التحريرية و بالجزائر.

كما أشرف عبد الحميد بن هدوقة بعد تكليفه من قبل وزارة الأخبار التابعة للحكومة الجزائرية المؤقتة، على إخراج ” صوت الجزائر” الذي كان يبث لمدة ربع ساعة مرتين في الأسبوع قبل أن يتم الاتفاق بين الحكومة الجزائرية المؤقتة و الحكومة التونسية ليصبح برنامجا يوميا لمدة ساعة. و كان من بين من كانوا ينشطون ” صوت الجزائر” العربي سعدون و لمين بشيشي و محمد بوزيدي و مصطفى كاتب الذي كان يعنى بالركن المسرحي و نورالدين سكندر الذي يعنى بالجانب العمالي.

بعد الاستقلال

بعد ثلاثة أشهر من نيل الجزائر استقلالها، يقرر عبد الحميد بن هدوقة العودة إلى الجزائر حيث حط رحاله بالجزائر العاصمة في أكتوبر 1962، ليلتحق مباشرة بالإذاعة والتلفزيون الجزائري و يقوم بتأسيس الفرقة الفنية التابعة للإذاعة و التلفزيون الجزائري التي كانت تضم أغلب الممثلين و الفنانين الجزائريين، قبل أن يتقلد عدد من المناصب في المؤسسة منها مدير للقناة الأولى و الثانية الناطقة باللغة الأمازيغية.

في 19 سبتمبر سنة 1990 ينتخب ضمن أعضاء اللجنة المديرة المنبثقة عن المؤتمر الخامس لاتحاد الكتاب الجزائريين كما انتخب أمينا عاما مساعدا و رشيد بوجدرة أمين عام.

تقلد منصب المدير العام للمؤسسة الوطنية للكتاب ثم رئيسا للمجلس الأعلى للثقافة قبل أن يعين عضوا و نائب رئيس المجلس الاستشاري الوطني من قبل الرئيس الراحل محمد بوضياف.

بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف، يصبح عبد الحميد بن هدوقة رئيسا للمجلس قبل أن يقدم استقالته في 26 جويلية 1993.

و في 21 أكتوبر 1996، و بعد مقاومته لمرض عضال ألزمه الفراش لحوالي أربعة أشهر بمستشفى مصطفى باشا، يرحل عبد الحميد بن هدوقة عن عمر يناهز ال 71 عام، تاركا وراءه إرثا ثقافيا و فنيا و فكريا معتبرا، و أصبح أحد الأدباء الكلاسيكيين للجزائر.

بدايات عبد الحميد مع الكتابة والتأليف

 بدأت في سنة 1951، لكن بعدما سقط طريح الفراش حين كان في مرسيليا يعمل بالمصنع تحويل البلاستيك بدأ يفكر فعلا في الكتابة والتأليف. و بين سنة 1955 و 1958 بدأ يؤلف تمثيليات إذاعية باللغة العربية للبي بي سي و أو أر تي أف BBC و ORTFعندما كان في تونس، ألف عدة مقالات للمجاهد. و بطلب من الحكومة الجزائرية المؤقتة ألف كتاب يحمل عنوان ( الجزائر بين الأمس و اليوم) الذي صدر في تونس في سنة 1958.

و في سنة 1960، ألف مجموعة قصصية تحت عنوان الظلال الجزائرية صدرت في بيروت عن دار النشر دار المكتبة الحية، و في سنة 1960 أيضا، صدرت له الأشعة السبعة عن الشارقة القومية بتونس، في سنة 1967، تصدر الأرواح الشاغرة، مجموعة شعرية عن المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع بالجزائر.

في سنة 1971، تصدر له أول رواية هي  “ريح الجنوب  عن المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع بالجزائر و التي ستترجم إلى الفرنسية في سنة 1975 من قبل مارسيل بوا، ثم إلى حوالي 20 لغة، منها الاسبانية و الإيطالية و الألمانية و الهولندية والروسية و الصينية و عدة لغات أخرى.

في سنة 1975، صدرت له ثاني رواية و هي نهاية الأمس المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع بالجزائر والتي ستترجم في سنة 1977 إلى الفرنسية من قبل مارسيل بوا و عدة لغات أخرى. وفي سنة 1974، تصدر له المجموعة القصصية الكاتب و قصص أخرى المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع بالجزائر. وفي سنة 1980 تصدر له ثالث رواية بان الصبح التي ستترجم في سنة 1981.

أدب عبد الحميد بن هدوقة

يقول عبد الحميد بن هدوقة عن أدبه:  “حاولت في ما كتبته على تواضعه، أن أعالج نقاط التأزم الرئيسية في الوضع الجزائري بصفة تدخل أكبر قدر من المستقبل في الحاضر، و تبتعد عن المضامين الجاهزة و الأشكال النابعة من مراكز خارجية، اعتقادا مني بأن الانطلاق من المعطيات التاريخية المحلية لكل قطر عربي لو روعيت في أعمالنا الأدبية لأرجعت لنا شيئا من الكرامة، و جنبتنا كثيرا من مزالق الاستلاب، فالثقافة العربية التي عاش العالم على كرمها الروحي ما يقرب من الألف سنة لا تستحق هذا الواقع الذي وضعها فيه تخلفنا المادي و السياسي. إن هذه الاهتمامات هي التي جعلتني في كل أعمالي الأدبية أعمل على معالجة الواقع المتأزم و الجوانب المظلمة في حياتنا الاجتماعية مبتعدا بقدر الإمكان عن الاغتباط بما حققناه من إيجابيات”.

كما يقول أيضا ”  أحاول أن آخذ من الواقع جزئيات متأزمة أبني منها واقعا فنيا لايختلف عن الواقع المعيش (…) أقوم بصياغة شخصيات تأليفية فأحدد مميزاتها الأساسية ريفية أو مدينية، أتخيل لباسها، ملامحها، بشرتها، طبقاتها.  ثم أخص كل امنها بجذاذة فنية أضمنها سلوكها، تعاملها و عوائدها. وبعدها أبحث عن نوع العلاقات بين مختلف الشخصيات حتى تكون منطقية أخلق الصراعات والروابط. ثم أقوم بخطة العمل الروائي.”

وفي دراسة تحليلية مطولة قام بها الناقد الجزائري الطيب لعروسي مدير بالمعهد العربي بباريس، قال إن عبد الحميد بن هدوقة قد يكون الأديب الجزائري الوحيد من جيله الذي تناول المرأة بشجاعة دون نفاق.  لم يكن يكتب ليرضي أو ليستجيب لرغبات سياسة متفاوتة في التفاؤل، بقدر ما كتب عن الأوضاع الجزائرية من أعمق الأعماق، فبالإضافة إلى كونه أحد المؤسسين للرواية العربية في الجزائر، نراه يعالج موضوع المرأة دون لف أو دوران، فكتب عنها و عن جسدها في روايته ” ريح الجنوب” التي أدخل فيها المرأة كإنسان له دوره الكامل و دخلت كجسد”

أما أحلام مستغانمي فتتقول ” إن رواية ريح الجنوب هي أول عمل إبداعي أدخل فيه المرأة – لها جسد و شهوات إنسانية، و أنها عضو فعال في المجتمع الجزائري”

و يقول الناقد الفرنسي جان بول ايفري إن عبد الحميد بن هدوقة جزائري حتى النخاع لأنه يعكس هموم الطبقات و الشرائح الاجتماعية و طموحاته عبر أعماله الأدبية، شعرا أو رواية، و وضع المرأة في المقام الأول، ذلك أنها أهم مدرسة، فالمرأة احتلت المكانة التي يجب أن تحتلها لا غير في أعمال     بن هدوقة.

و يضيف الطيب لعروسي أن المتتبع والملاحظ للمشهد الثقافي والفكري الجزائري يستخلص العوامل المشتركة بين عبد الحميد بن هدوقة و مصطفى لشرف. فكلاهما ينتقدان السلطة من داخل الساحة دون انتهازية و دون تملق للسلطان. و لعبد الحميد بن هدوقة موقف واضح من المثقف الجزائري الذي كان دائما يفكر من داخل السلطة الجزائري ” و هي لم تكن تقيم له أي وزن له لأنها ليست مثقفة و لأنها لا تقرأ و القاعدة القارئة لم تكن تشكل لها في جزائر السبعينيات (قضية التعريب) أي وزن” ” فهم الحكام كان و لا زال السلطة و المسؤلية، و السلطة كانت دائما أجنبية عن الثقافة. ”

 ريح الجنوب

أرخها عبد الحميد بن هدوقة في 05 نوفمبر 1970، و نشرت في 1971، و بذلك و بإجماع جميع النقاد، تعد أول رواية جزائرية مكتوبة باللغة العربية. عدد صفحاتها في طبعتها الأولى 266 و صدرت عن المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع بالجزائر. ترجمت في 1975 من قبل صديقه مارسيل بوا و حولت لفيلم سينمائي من إخراج سليم رياض.

قال عنها الناقد الجزائري الكبير، الدكتور عبد الله ركيبي، ” و بالجملة فإن الرواية فيها الشيء الكثير مما يمكن أن يقال من حيث أسلوبها و موضوعها و محتواها فالمؤلف فيها ألم بحياة الناس في القرية…تحدث عن الفرد و عن روح الجماعة، عن الماضي القريب و البعيد أيضا تحدث عن الواقع و المستقبل… و كان معلما أحيانا و فنانا أحيانا كثيرة و في كل ذلك كان رائده خدمة الأدب و المجتمع و التأصيل لفن الرواية العربية و ما هذا بالقليل…”

يمكن القول أن الكاتب حاول في هذا العمل أن يؤرخ و يرسم كل زوايا القرية الجزائرية، فنفيسة ابنة الاقطاعي التي تتعلم بالعاصمة، يتعرض مستقبلها للخطر فوالدها عابد بن القاضي يسعى لأن لا تطاله قوانين الإصلاح الزراعي الوشيكة الوقوع، فيقرر تزويجها من رئيس البلدية المنفذ لهذه القوانين، و المرتبط بعلاقات قديمة متفاوتة الدرجة و النوع مع ابن القاضي الذي لم يكن تاريخه ابان الثورة التحريرية تاريخا نقيا كما هو حال رئيس البلدية.

و نفيسة يخنقها جو القرية الرتيب الثقيل الخالي من الحركة و الحياة الصاخبة التي ألفتها في العاصمة، لذلك ما أن تعرف بقرار الأب حتى يزداد نفورها من القرية، و تهرب باتجاه العاصمة، فتضل الطريق ليلقاها الحطاب رابح الذي كان يعمل راعيا لأغنام والدها، و صدته و صدمته بعد أن حاول الاعتداء عليها حين فسر مجاملتها له بأنها دعوة شهوة.

يعود بها رابح إلى بيته في القرية بعد أن ينقذها من لدغة أفعى في تلك الغابة التي ضلت فيها، فيصل خبر وجودها إلى الأب الحائر الباحث عن ابنته الهاربة، فيقتحم المنزل، فيكون اشتباك تتدخل فيه أم رابح الخرساء لتحسمه لصالح ولدها، كل ذلك يجري و رئيس البلدية لا يحرك ساكنا فنحن نعرف موقعه و لا نعرف موقفه، قلبه مع البؤساء و سيفه ليس معهم، لا يكره نفيسة و غير متحمس لغرض والدها… إذن يمكن القول أن زوايا اللوحة الاجتماعية هي الاقطاع و المرأة و السلطة و البؤساء مثلتها شخصيات تتحرك و تتفاعل من موقعها مع بعضها البعض، لتكون الحدث الدرامي نفسه و لتؤكد لنا موقف الكاتب نفسه أيضا.

هذه الرواية سيحولها المخرج سليم رياض إلى فيلم سينمائي غير انه اختار نهاية مخالفة لما كانت عليه في الرواية حيث يمكن بطلة الفيلم نفيسة من الهروب و الإفلات من قبضة والدها بمساعدة رابح الراعي. و كانت نهاية الفيلم في أن تتمكن نفيسة رفقة رابح من الركوب في الحافلة المتجهة نحو العاصمة فيما كان والد عابد بن قاضي يلاحقها ممتطيا فرسه فيتمكن من اللحاق بالحافل التي أقلعت لكن سرعان ما تتجاوزه و تبتعد عنه بمسافات و يفشل في إلقاء القبض على نفيسة.

المصدر: أنيس بن هدوقة

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x