ولد الفنان المتألق حمدي بناني بمدينة عنابة عام 1943 في الفاتح من شهر يناير، اشتهر بأدائه لأغنية المالوف العنابي ولقب بـ “الملاك الأبيض“ لبدلته البيضاء ولكمانه الأبيض، الذي يعود لقصة تتويجه بالمرتبة الأولى بالمهرجان العالمية للأغنية الكلاسيكية عام 1984 بالاتحاد السوفياتي سابقا، حيث لقب حينها بـ “رجل السلام” لصفاء قلبه ورقي فنه وكذا لنبله كجزائري.
“جاني ما جاني”، الأغنية التي جددت المالوف، بإدخال الفلامينكو على الطرب الذي يعد من التراث الجزائري القادم من الأندلس ليستقر بالمغرب العربي، حيث لامس التجديد من قبل الفنان “حمدي بناني”، الذي تعلم على يد عميد موسيقى المالوف الحاج محمد الطاهر الفرقاني، إلى أغنية “يا باهي الجمال” التي نال عليها جائزة الغناء الأولى في إحدى المسابقات الفنية.
اتذكر اتصالي به ذات يوم هاتفيا ولم أشعر بالوقت يمضي حتى وصل الزمن بي لنصف ساعة من الزمن، لامست فيه تواضعه وحبه لفن هواه حتى النخاع، حيث أكد لنا أن المالوف لن يموت لأنه فن كلاسيكي محكم بقواعد وقوانين والجمهور متابع ومتذوق له على مر العقود، فهناك المولعين به كثر خاصة منهم الشباب الذين أنشأوا جمعيات ثقافية تهتم بهذا التراث على مستوى ولايات الشرق منها عنابة، سكيكدة وقسنطينة وسوق أهراس وغيرها، ويبذلون كل جهدهم لإقامة مهرجانات محلية لتكريم هذا الفن وأصحابه وعليه فإن أغان أخرى مهما تطورت لن تقتل المالوف في الجزائر، مشيدا بالفنان الجديد بضرورة التكوين للتعلم وصقل المواهب لضمان استمرارية موسيقى المالوف باعتبارها الإرث الثقافي الجمالي الذي يتغنى به الشرق الجزائري.
أكثر من ثلاثين أغنية وضع بها بناني لمسته على أغنية المالوف
اهتم بناني بالفن والغناء وعمره لم يتجاوز 16 سنة حتى اكتشف صوته خاله الفنان محمد الكرد، حيث احتفظ بكمنجة شيخه الكرد وعمرها تجاوز القرن من الزمن إلى غاية رحيله عنا في 21 سبتمبر 2020، ذاع صيته بعد استقلال الجزائر، وكانت باكورة أعماله أغنيته “يا باهي الجمال” التي نال عليها جائزة الغناء الأولى في إحدى المسابقات الفنية، استمر في سلسلة النجاح بأغاني مثل “عدالة يا عدالة” و”محبوبتي” و”يا ليلي يا ليلي” و”جاني ما جاني” وغيرها.
استطاع بناني من خلال 30 أغنية ناجحة بوضع لمسته على أغنية المالوف، كما ساهم بدعم من عميد المالوف بقسنطينة “الحاج محمد الطاهر الفرقاني” في نشر الثقافة الجزائرية عموما والمالوف خصوصا من خلال مشاركاته في المحافل الدولية، حيث كرم من العام 2004 من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
تم تقليد الفنان مطرب المالوف حمدي بناني وسام “الفنون والآداب الفرنسي” برتبة “ضابط ” من طرف سفير فرنسا بالجزائر، غزافيي دريانكور، خلال احتفالية نظمت بمقر المعهد الفرنسي بعنابة وذلك بمناسبة تدشين الفضاء الجديد “كامبوس فرانس”، وجاء تقليد الفنان بناني بأرفع الأوسمة الفرنسية في مجال الفن والأدب عرفانا وتقديرا لإبداعات وإسهاماته التي تتغنى بالسلم والحياة والسعادة ليكون سفيرا قديرا لهذا الطرب العريق بعدة محافل دولية.
ولقد اعتبر بناني هذا التكريم إضافة لمسيرته الفنية وحافزا لمواصلة الغناء وقتها على غرار باقي التكريمات التي منحت له من بينها تكويم بوزارة الثقافة وتكريمات أخرى حصل عليها من دول أجنبية.
الملاك الأبيض مجدد أغنية المالوف بـ “الفلامينكو”
عرف بلقب “الملك الأبيض”، حيث قال لنا في حديث سابق “كنت في ما مضى ولا زلت إلى غاية الساعة التي أحدثك فيها ألبس البدلة البيضاء لإحياء الحفلات، وفي عام 1984 كانت لي مشاركة في الاتحاد السوفياتي سابقا وروسيا حاليا، بالمهرجان العالمية للأغنية الكلاسيكية، ومن بين 62 دولة مشاركة فزت بالمرتبة الأولى وشرفت الجزائر ونلت منها لقب “رجل السلام”، كما كانت المغنية الفرنسية “كاترين لارا” صاحبة الكمان من نوع كاتكار أبيض اللون، ومنه طلبت صنع كمان أبيض اللون في نوع ألتو ونقش فيه اسمي، ومنذ ذلك اليوم وأنا أعزف عليه واستعمله في كل الحفلات وألبس بدلة البيضاء، فرغم أني أملك خمسة أنواع من الكمان، إلا أني أهوى الكمان الأبيض، مثل ما عندي الكثير من البدلات الرسمية باختلاف ألوانها، إلا أني أرتاح في لباس الأبيض”.
نفى بناني كل الإشاعات التي دلت على انتقاده من قبل عميد المالوف الحاج الفرقاني، نظرا لتطويره هذا الفن، بل أكد أن الفرقاني عمد على إدخال التغير هو الآخر في المالوف بإدخال آلة “السانتي”، ليبقى رغم كل شيء عميد المالوف، فهو الأصل حيث وصل لخمسة وتسعين ألبوما، وأعتبر نفسه مجددا فيه بإدخال الفلامينكو على أغنية المالوف منها “ما جاني ما جاني”.
وخلال تظاهرة عاصمة الثقافة العربية عام 2016 في قسنطينة قام بناني بتسجيل أربعة ألبومات من التراث في المالوف، منها “دمعي جارا”، “يا عاشقين”، و”قدي بسلام” وهي أغنية في طابع العروبي والحوزي، ولم يخفي بناني عن المشاكل والتغييرات في الكثير من البرامج المسطرة التي نظمت لإيحاء هذه التظاهرة، مخلفا السبب إلى التقشف، حيث تم إلغاء وتقليص بعض الحفلات، مشيرا إلى أن الجزائر لا تزخر بالبترول فقط، وإنما تزخر بالفن، الثقافة والسياحة، كونها غنية بالتراث.
وتأسف بناني من الإعلام الذي كان يلعب الدور الكبير في تصعيد المالوف نحو العالمية، حيث في السبعينات كانت نصف ساعة قبل نشرة الأخبار الثامنة تقدم فيها أغاني المالوف والأندلسي، لكن اليوم الإعلام لا يلعب دوره في نشره، ورسالته كانت قبل وفاته “لنحافظ على تراثنا”.
بعيدا عن الفن… بناني رياضي بامتياز
بعيدا عن المالوف يعترف الفنان حمدي بناني لنا أنه رياضي بامتياز، حيث مارس التنس لمدة ثلاثين سنة، وقال “إن لم أكن فنان، لكنت ضابط في الجيش، نظرا لحبي لهذه المهنة الشريفة والانضباط فيها، كوني منضبطا في العائلة وفي العمل، زد على ذلك أوصاني جدي رحمه الله وعمري لم يتعد خمسة عشر سنة قائلا: “يا ولدي نوصيك بالكلمة لكان خرجت من فمك ما ترجعش كالبارود”، مضيفا: “تعيش نهار سردوك وما تعيش عام كي دجاجة”، وعليه لقد قمت بتربية ابني على خطى تربية جده لي”.
إعتزل الفنان القدير الراحل حمدي بناني مؤقتا بعد سلسلة النشاطات التي قام بها داخل وخارج الوطن، الأمر الذي دفعه لأخذ قسط من الراحة، حيث قرر أن يتوقف عن الغناء لفترة لم يحددها بعد، ويجمد نشاطاته الفنية الثقافية إلا إشعار أخر، ليعود بعدها إلا الساحة بمشاريع فنية جديدة. لكن شاءت الأقدار أن تغيب عنا شمس المالوف بعد إصابته بكوفيد 19 في سبتمبر 2020.
صارة بوعياد