إريك زمور أو الظاهرة الثقافية الواجب دراستها بدل إدانتها إيديولوجيا فقط!
منطقيا، لا يمكن لمتابع شؤون السياسة والثقافة هذه الأيام أن يدعي عدم سماعه بشخص اسمه إريك زمور .كرهنا أم أحببنا، لا يمكن للذين يمقتون الرجل ومن بينهم كاتب هذه السطور، القفز على ظاهرة إيديولوجية وثقافية مكتملة الأركان والمواصفات والمعايير الأمر الذي يجعل من تجاهلها أو معاداتها أو مقاربتها إيديولوجيا موقفا غير عقلاني بالمرة، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه العقلانية المعبر الواسع الذي يؤدي بنا إلى شاطئ المقاربة الواقعية والمتأنية والعميقة لبروز اسم بحلة سياسية ليست ككل الحال السياسية بحكم تداخلها بخلفية ثقافية أولى من نوعها في العقود الفرنسية الأخيرة.
إنها الخلفية التي ستمكن إريك زمور “الظاهرة” من خوض غمار الانتخابات الرئاسية القادمة بمنجز صحفي سابق بكثير لبروزه كنجم تلفزيوني قريب من شخصيات مالية متنفذة وعلى رأسها رجل الأعمال فانسان بولوري صاحب قناة “سي نيوز” التي استطاعت أن تحتل المرتبة الأولى في المشهد التلفزيوني، وتنزع المرتبة الأولى لقناة “بي أف أم”.
كاتب هذه السطور – الذي لم ينتظر بروز زمور تلفزيونيا لينبه إلى خطورة صعود تاجر التخويف والترهيب بمشكلات الهجرة والاسلام -، ينبه اليوم من جديد إلى أن شيطانة تاجر التخويف والترهيب لا تشكل ردا مقنعا على خطاب رجل قوي بزاد سيكولوجي وسوسيولوجي وحضاري وثقافي لعب صاحبه على حقائق لا يمكن انكارها، وهي الحقائق التي صنعت صعود ه غير المفاجىء والمنتظر.
من هذا المنطلق لا يمكن مقاربة بروزه كظاهرة شاملة عمت أرجاء فرنسا وتجاوزت حدودها إلا بوضع ممثلها في سياق عالمي وأوروبي وفرنسي، تداخلت من خلاله عوامل سياسية اقتصادية وثقافية سمحت له ببلورة خطاب يمثل القطيعة الابستمولوجية مع ما عرفته معظم المجتمعات الأوروبية والمجتمع الفرنسي من تراجع على كافة المستويات باسم يوتوبيا يسار وردي مخملي ونخبوي الروح ومنفصل عن ادبيات كل ما له علاقة بالعدالة والاخوة والمساواة والكرامة الاجتماعية وحتى الحرية.
زمور الخارج من انقاض خراب حداثة سياسية معطوبة، من حقه أن يشهر سيف السلفية الثقافية والفكرية والسياسية التي مثلتها قديما فرنسا الصفاء الديني والعرقي والحضاري، مادامت الحداثة العلمانية قد خانت وعودها، وأضحت تسلطية اجتماعيا وسياسيا وثقافيا، وأنتجت الحرمان والخطاب المنافق المزدوج والخيبة الموصوفة على أكثر من صعيد، وهي الخيبة التي وقف عندها الفليسوفان ادغار موران وريحي دوبريه بوجه خاص.
زمور الهنتغتوني أكثر من صمويل هنتغتون صاحب نظرية الصراع الحضاري، والقوي اليوم بضعف خصومه، وبهويته الصحفية والمعرفية – باعتباره كاتبا ملما بالتاريخ والسياسة والثقافة والأدب – يوقع ويصر اكثر من اي وقت مضى على سلامة توجهه غير عابئ بخطاب الشجب والتنديد والشيطنة، وساخر من صناع انقاض وخراب خصومه الإيديولوجيين مثله ولو في الاتجاه المعاكس.
وحدها مقاربة غير متشنجة ومتزنة تسمح بالوقوف في وجه زحفه على هامش يمين متطرف قديم وشعبوي مثله، وأضعف بكثير فكريا من يمنيته المتطرفة الذكية بما تحمله من وعي تكتيكي، قائم على مقومات شعبوية أكثر راديكالية تصلح لمواجهة الفشل الراديكالي والمطبق لخصوم شربوا من كؤوس النفاق حتى الثمالة.
زمور قوي بقوة ذاتية وموضوعية مؤثرة في مجتمع مازال يقرأ رغم كل ما يقال عن تراجع القراءة في فرنسا، واستثنائي خلافا لكل المرشحين للانتخابات بكتب توصف بأنها صفراء في نظر خصومه كما يقال عن صحف الاثارة، انها الكتب التي ألفها بنفس خرافي على هامش كتابته الصحفية الدورية واقتتاله اليومي في الاستديوهات الإذاعية والتلفزيونية التي وجدت من يتابعها ويدمن على انتظار مواعيد بثها.
زمور بدأ في بناء صرح خطابه الشعبوي منذ عام 2006 بكتب التي لم يقرأها إلا اتباعه الكثر، وباع منها آلاف النسخ حينما لم يكن أحد يعتقد أنه سيترشح يوما ما للانتخابات الرئاسية. كتب عشرة كتب بقلم دقيق وشفاف وكاشف عن عيوب كثيرة عرت خصومه المصرين على ترك رؤوسهم في الرمال بدل الخروج لتحمل مسؤوليتهم في خراب ايديولوجي، يشجع على بروز أمثال لوبان وزمور ومن لف لفهم ممن ينعتون بالمتطرفين والشعبويين والرجعيين.
العودة إلى الوراء تنتج حتما عن فشل من أدعى تمثيل التقدم نحو الأمام، ولنا نحن العرب والمسلمين عشرات الأمثلة الشاهدة على هذه الحقيقة التي حوربت بالنار والحديد وليس بالثقافة والتعبير الحر، كما يفعل زمور وغير زمور في فرنسا وفي غيرها من المجتمعات التي رفضت دخول الدبابة في المعترك السياسي والفكري الذي يعني النخب المدنية وحدها ووحدها فقط.
بقلم: بوعلام رمضاني