“الرقص هو أن تكون فوق الركح وتشم رائحة الخشبة، وهو يلامس جسدك، إحساس لا يحكى ولا أستطيع أن أعبر عنه، فبكل بساطة أنا أعشق خشبة المسرح…”، بهذه الكلمات شدنا ببوي يوبا عبد الفتاح لحكايته مع رقص البريغدانس وشغفه في الاستمرارية والاحترافية في هذا الفن الذي ولد في الشارع واحتضنه الشباب.
سارة فراح
يتمثل رقص بريغدانسينغ، أو المعروف ببويينغ، كفن ظهر لأول مرة في الولايات المتحدة، بالتحديد بمدينة نيويورك من العام 1970، يحظى بتميز خاص في حركات الرقص ويسمى راقص بريغدانس، يطلق على الرجل ببوي، وكلمة بجيرل للفتاة، ففي سبعينيات كانت تعتمد علي بعض الحركات المأخوذة في الجمباز وكانت وقتها ترقص علي اليدين والقدمين لأداء بعض الانزلاقات على الأرجل، مثل التي كان يؤديها “مايكل جاكسون” بأغانيه في الثمانينيات، وكان وقتها تعتمد اللعبة علي الايماءات الجسدية التوهمية التي توهم المشاهد بأنه يرقص علي الجليد أو روبوت يتحرك ببطء، وبدأ ينتشر أكثر في أوائل الثمانينيات، كثقافة حقيقية للرقص في كل مكان في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبخصوص الجزائر يقال أن “بريغدانس” موجود منذ عشرين سنة، حيث بدأ كرقص في الشوارع ومع مرور الوقت تشكل ضمن فرق دخلت في منافسات ومسابقات وطنية ودولية، ومن بين الراقصين الذين ضاع صيتهم في الجزائر وخارجها راقص بريغدانس “يوبا عبد الفتاح”.
“يوبا عبد الفتاح” المعروف في عالم بريغدانسينغ بـ”bboylil ski”، شابا من مدينة بجاية، راقص بريغدانس لا يؤمن بالفشل ولا يرضى إلا بالمركز الأول، انظم إلى عالم الرقص صدفة أين أخذه القدر من الجومباز إلى بريغدانس، حدثنا عن بدايته قائلا: “كنت أتدرب في قاعة “الجومباز”، وأخذني الفضول للقاعة الأخرى حيث كانوا يتعلمون بريغدانس وكنت ممن يتابعون حركاتهم التي جذبتني، وفعلا بدأت أتعلم بعض الحركات دون أن أعي ما نوع الحركات التي أقوم بها إلا بعد مرور شهر كامل لأكتشف أني أتدرب على رقص “بريغدانس”، فكنت منضبط ومهتم أكثر بتعلم تلك الحركات وشغوف جدا أن أدخل عالم الرقص الحر “بريغدانس”.
بداياته كانت عام 2007 ومع مرور الوقت صنع اسمه واحترف الرقص عن طريق مشاركته ضمن الفعاليات الكبرى في الجزائر وخارجها، منها “بطل مزغنة”، “راد بول”، “أبوب أكاديمي أمريكا”، كما انظم لعدة فرق منها “اربان اسكايب”، “كاميكاز كرو”، و”أواكرو”.
وقد شارك مع فريقه في “بطل بريغدانس” بالجزائر العاصمة، وكان ترتيبهم الثالث في المجموعة بعد ستة أشهر من التدريب فقط، ومن هنا كانت البداية والانطلاق نحو الاحترافية في الرقص الحر “بريغدانس”، تلتها عدة مشاركات في الجزائر وخارجها.
“بريغدانس” في وزارة الشباب والرياضة خطأ في العنوان
يوبا احترف المجال وطرق التميز من بابه الواسع، فكان في العديد من المرات في مقعد لجان التحكيم على المستوى الوطني والدولي، وكذا مدربا محترفا في الورش التدريبية، قال: “كنت عضو في لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة “راد بول بيسي وان للبريغدانس”، وليس من الأمر السهل أن تقوم بالاختيار الراقص الأفضل لمشاركة الجزائر في أمستردام، لكن الأجدر بذكر أن المساهم الأول في إنشاء هذه المسابقة التي جاءت مؤخرا من قبل النمسا وليس الجزائر، إذ تعتبر من كبرى المنافسات في العالم برعاية “راد بول”، وللإشارة “بريغدانس” كفن من فنون الرقص تابع لوزارة الشباب والرياضة، وهنا أتأسف لذلك وأتمنى أن يصبح “بريغدانس” مستقبلا تابع لوزارة الثقافة والفنون، لأنه يمثل فن من الفنون كالمسرح والسينما، فوجوده في وزارة الشباب والرياضة خطأ في العنوان”.
يتميزbboylil ski” في رقص “بريغدانس” بمزج أنواع الرقص، حيث قدم عروضا مختلفة ومتنوعة منها عرض “حياتي في كتاب” الذي جاء في أثنى وأربعين دقيقة فوق الركح، قام بعرضه في الجزائر وخارجها وقد لقي نجاحا كبيرا، حيث مارس فيه كل أنواع الرقص ولم يسجن نفسي في مجال واحد، فجاء العرض في قالب بريغدانس، “الرقص التعبيري، “سريك نار”، “المسرح الجسدي”، والرقص المعاصر، كما قدم عرض “خاوة في كل مكان” في كل ربوع الوطن، الذي دام توزيعه حوالي ثلاثة أشهر.
“بريغدانس” الرقص الذي ولد في الشارع واحتضنه الشباب
يقال إن مصدر رقص بريغدانس جاء من الفنون القتالية الصينية، وانتشر رقص “بريغدانس” في جميع أنحاء العالم بسبب شعبيته الكبيرة في وسائل الإعلام، وخاصة في كندا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، روسيا، كوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، كما لابد من التنويه أن الهجرة الأفريقية في نيويورك أسهمت إسهاما كبيرا في هذه الرقصة.
بدأ الكثير من الشباب بالاهتمام برقص “البريغدانس” وممارسته جاء بعد أن تم الاستقرار على تنظيم مسابقة دولية ذاع صيتها في اليابان وألمانيا والمغرب وحتى في الجزائر، حيث يعتبر هذا النوع من الرقص كدعامة مهمة من دعامات الهيب هوب وهو ما يعرف برقص الشوارع.
إن رقص “بريغدانس” كظاهرة، تتمثل في مجموعة من الشباب يؤدونه بطريقة متقطعة وبهلوانية، انتشرت بشكل واسع بين فئة الشباب، وتجاوزت الذكور لتشمل الإناث أيضا، تتنوع حركاتهم اللولبيةعن طريق اللف على الرأس والجسد والشقلبة فيالهواء والانزلاقات علىالظهر، ويمكن أن تؤدى الرقصات بشكل جماعي أو فردي، وفقا لمساحة المكان، أما بالنسبة لملابس راقصي البريغدانس، إن هذه الرقصة تحتاج لملابس وسراويل فضفاضة لتقليل الاحتكاك بين الملابس والأرض لتعطي فرصة لأداء أفضل الحركات.
قال: “bboylil ski “بالرغم من أن رقص “بريغدانس” ظاهرة تجاوزت الرجل لتشمل النساء أيضا، لكن لن يطول استمرارهن في هذا النوع من الفنون ليقفن عند نقطة الاحتراف بسبب زواج بعضهن وإنجابهن للأطفال، أو صعوبة ممارستهم لهذا النوع من الرقص في مجتمع لا يعترف بالرجل وهو يمارسه في الشارع فما بالك برؤيته للمرأة”.
الرقصة مبنية على قواعد الفيزياء
ومن العجيب في هذه الرقصة أنها مبنية على قواعد الفيزياء، حيث تحتاج الرقصة إلى المزيد من القوة والليونة للحفاظ على توازن الجسم حتى تدفعه لأداء أي حركة في تحدي قوي لجاذبية الأرض، ومن أهم الحركات أن يلف الراقص رأسه على الأرض ليس لأن له رقبة طويلة ولكن لأن لديه توازنا يبقي جسمه في الهواء دون إحداث دوار خلال اللف على الرأس.
نتساءل ماذا يشد الشباب لهذا النوع من الرقص؟، غير أن الأكيد أن البعض منهم إن لم نقل أغلبهم يرقص للتعبير عن الفرح ولإزالة الكبت والهموم المترسبة في نفوسهم، وهربا من الفراغ، فضلا عن كون الرقص رياضة وكذا يتمثل في استعراضات يعمل الراقص على إبراز شخصيته أمام الشباب الأخر، ليصبح رقص الشارع “البريغدانس” يتهافت عليه الشباب فالساحة ملتقاهم يتحدون بعضهم البعض في أداء حركات توصف بالصعبة، يقدمون رقصهم على الملأ في الشارع وأمام أنظار الناس تفجيرا لطاقاتهم، يريدون أن يحترم ذوقهم وأن يلاقوا التشجيع علي ما يحبون بممارسته بعيدا عن الانتقادات والنظرات المستهزئة.
شغفه للرقص كبير وطموحه في الاستمرارية أكبر، والمضي قدما نحو الاحترافية هدفه، والتنوع في فن الرقص من الرقص الحر إلى الرقص المعاصر حلمه الذي لامس الواقع، وهو الذي لم يخفي تعلقه الشديد بهذا الفن الذي وجد فيه حياته وشغفه وحريته، واتخذه تعبيرا عن نفسه وواقعه، وصارحنا بتلك العبارة التي شدتنا لحكايته: “الرقص هو أن تكون فوق الركح وتشم رائحة الخشبة، وهو يلامس جسدك، إحساس لا يحكى ولا أستطيع أن أعبر عنه، فبكل بساطة أنا أعشق خشبة المسرح، ولا أخفي أن الرقص قام بتغيير حياتي، حيث ساعدني في التجوال عبر العالم وأن أتقرب من عدة ثقافات، فبفضل الرقص أنا حر، وطموحي الاستمرارية نحو الاحترافية”.