فاطمة حداد.. الفنانة التي ألهمت بيكاسو ولقبت بباية الرسم الجزائري

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

إنها الرسامة باية محي الدين، اسمها الحقيقي فاطمة حداد من مواليد  12 ديسمبر 1931 في برج الكيفان بضواحي العاصمة الجزائر، باتت يتيمة في سن الخامسة، ورغم أنها لم تدخل المدرسة، وبدأت الرسم قبل أن تشاهد أي معرض فني، لتصنع بذلك تجربتها بفطرة وبراءة وتلقائية طفولية تشهد عليها أعمالها، مما جعلها تؤسس مدرسة جديدة في الفن التشكيلي الجزائري والعربي “مدرسة الفن البدائي”.

صفوان سعيد

صفات عدة رسمت شخصيتها منها البساطة، العفوية، الحس المرهف، الخجل وشيء من الانطوائية، فضلا عن التميز والإبداع ولمسة حظ وصدفة قادتها لتكون واحدة من بين أهم الشخصيات في العالم.

عاشت حياة بائسة وحياة اليتم، ولكن الصدفة صنعت لها حياة أخرى في ربيعها الثاني عشر، كانت ترافق جدتها في العمل، بينما كانت أخت صاحب المزرعة الفرنسية مارغريت كامينا، تتابع الفلاحين، فلاحظت الطفلة (باية) وهي تلهو بالطين وتشكل به تحفا فنية، أعجبت كامينا بالفتاة، و اصطحبتها معها إلى بيتها بالجزائر العاصمة لتساعدها في أعمال البيت، ولتعتني بموهبتها، ثم تبنتها فيما بعد.وهي مثقفة فرنسية ثرية كانت متزوجة من قاض جزائري، وذلك بعد أن لفت نظرها النزعة الفنية لدى الصغيرة باية.

في بيت مارغريت كامينا، وجدت باية الفرصة كاملة لتتعرف على عالم جديد، هو في الحقيقة عالمها الذي كانت تبحث عنه ربما لا شعوريا، ففي هذا البيت كان الفن يسيطر على كل جوانبه، مارغريت فنانة ترسم على الحرير، وتقوم بعمل المنمنمات، وزوجها فنان إنجليزي يرسم البورتريه.

حتى هذه الفترة كان لايزال اسمها فاطمة، غير أنه مع انتشار فنها وشهرتها لقبت بباية، وهو نسبة إلى “باي” على غرار “داي”، وهو رتبة تركية كانت تمنح لحكام الولايات أثناء الحكم العثماني للجزائر، ولقبت بهذا اللقب لما ظهر من موهبة لدى الطفلة بأنها ستكون باية الرسم الجزائري.

سنة 1947، كانت باية قد وصلت إلى السادسة عشرة من عمرها، وأصبحت تحتل مكانة لافتة في الفن التشكيلي الجزائري، في هذه الفترة زار الجزائر تاجر الفن الفرنسي والنحات والمنتج السينمائي، إيمي ميغث، وقدم له الرسام جون بايريسياك، صديق عائلة (مارغريت) أعمال باية الفنية فانبهر بها، ووجدها تتميز عن غيرها بالبدائية والعفوية، وفي نفس العام نظم ميغث لباية أول معرض بمؤسسة ماغ الفنية في باريس، ودعمها الشاعر السريالي الفرنسي أندري بروتون بكتابة مقدمة في مطوية خاصة بمعرضها، وكتب عنها الأديب كاتب ياسين وغيرهما.

وعلى الفور، لفت إنتاجها انتباه الفنانين الكبيرين بيكاسو وماتيس بسبب مكونات رسوماتها “الطفولية”، وكذلك “النقاء” بألوانها وعفويتها وتسليطها الضوء على الطبيعة بما فيها من زهور وطيور وأسماك وإبرازها بألوان زاهية. وقد قال عنها الرسام الفرنسي جان دوبوفي إن أعمالها تمثل “المادة الخام للفن”.

الرسامة باية الجزائرية التي ألهمت بيكاسو

وبين عامي 1948 و1952، عملت باية إلى جانب بيكاسو، وتناولت الكسكس معه، وقال عنها إنها كانت مصدر إلهام سلسلة رسوماته عام 1954 التي حملت اسم “نساء الجزائر”، وقد نالت لوحتها التي تحمل اسم “امرأة وعصفور في القفص” شهرة واسعة.

أعجب بيكاسو بفن باية وألوانها الزاهية، وتعاونا في إنجاز عدة تحف جميلة، ولم يكن بيكاسو وحده الذي أعجب بأعمالها، ففي باريس انفتحت أمامها آفاق واسعة، وأصبحت وجها بارزا للفن المعاصر الجزائري والعالمي، هناك التقت جورج براك، وهو من مؤسسي المدرسة التكعيبية، وكتبت عنها مجلة “Vogue الفرنسية ونشرت صورتها، واعترف بها الوسط السوريالي.

رغم أنها تركت الجزائر في سن صغيرة إلا أنه كان عنصرا مؤثرا في جميع أعمالها، ويظهر ذلك في اعتمادها على عناصر بيئتها الريفية في أعمالها كالأزهار والأشجار ودوالي العنب والمزهريات، وكذلك النساء اللاتي يتميزن بأزيائهن الجميلة الزاهية، ووجوههن التي تشبه المسرح لا يخفي علامات الخجل والفرح.

وقد أغرم بيكاسو برسومات باية بشكل يفوق الوصف، وطلب منها العمل معه في اتولييه السيراميك، لم ترد باية إغضاب بابلو رغم أنها لم تكن مقتنعة بفن السيراميك، لكنها أبدعت في عملها المشترك الذي بقي في فرنسا في متحف فالوريس.. بعد الزمالة، أتت الصداقة فكان بيكاسو للهرب من صخب الحياة يزور باية لتناول “الكسكسي” الذي كانت تجيد تحضيره، وكان يطلق عليها لقب “البربرية”.

وكانت هذه العلاقة المهنية وراء لوحة بيكاسو المثيرة للجدل “نساء الجزائر” والتي حطمت الرقم القياسي كأغلى لوحة في العالم على الإطلاق وقتها بـ179 مليون دولار في مزاد كريسيتي.

رغم شهرتها، بقيت باية وفية لأصالتها، ولم تكن ترتدي من موضة شانيل أو ديور، بل تلبس بفخر السروال العاصمي والبابوش المطرز بالذهب مما كان يزيد من إعجاب النقاد لها، فقد قال عنها الناقد الفرنسي إدموند شارل رو: “كانت باية ولوحاتها شخصا واحدا وكأنها شخصية اسطورية، نصف امرأة ونصف عصفور هارب من أكواريل”.

اعتمدت لوحاتها على طوابع البريد

شاركت باية في عدة معارض جماعية ببلدها الأصلي والدول العربية وأوروبا واليابان وكوبا والولايات المتحدة الأميركية، وتوجد تحفها في متاحف شهيرة حول العالم، واعتمدت الجزائر لوحاتها على طوابع البريد.

عادت باية إلى الجزائر وتزوجت من محفوظ محيي الدين، أحد أبرز مغنيي موشحات المالوف الأندلسي في الجزائر، الذي تحمل اسمه، إذ أصبحت توقع باسم “باية محيي الدين”، بعد سنة من زواجها انطلقت الثورة التحريرية، في الجزائر، وجمد الزوجان نشاطهما لعشر سنوات، وعادت باية إلى مزاولة فنها سنة 1963، حتى وافتها المنية في 1998.

وبعد الاستقلال وبالتحديد عام 1963 أقنعها محافظ متحف الجزائر للفنون الجميلة آنذاك جون ميزونسول بالعودة للرسم، فلم تخفت موهبتها، بل زادتها السنين والتجربة خيالا فأدخلت الآلات الموسيقية تيمنا بزوجها المطرب، وأضافت التفاصيل التي أضحت اللمسة التي تعرف بها لوحة الفنانة الموهوبة باية البربرية.. رسمها لعيون المرأة الجزائرية كحبة لوز أدهش النقاد، وتدلي عناقيد العنب من لوحاتها أفحم الرسامين، ورسمها للنبات والجماد من زاوية جديدة أدخل فن باية إلى أكاديمية الفن بفلورنس وبرلين وايشي باليابان.

يدرج اسم الرسامة الجزائرية باية محيي الدين بين أشهر رسامات الفن الحديث في العالم مثل فريدا كالو وتمارا دي لمبيكا، كيف لا وهي من زينت لوحاتها أكبر دور عرض في العالم من الجزائر وباريس وهافانا وطوكيو والكويت وتونس وبروكسل وواشنطن.

أغلى لوحات باية محي الدين

وصلت العديد من لوحات الراحلة باية محيي الدين إلى أسعار خيالية، فلوحتها المشهورة “راقصات وعازفات” التي رسمتها سنة 1976 وصل ثمنها في المزاد العلني إلى 30 ألف يورو، فيما اشترى ثري فرنسي لوحة المرأة الطائر بـ21 ألف يورو، ووصل ثمن لوحة الراقصات والطاووس إلى 34 ألف يورو، حسب موقع الخبرة الفنية “اجوت”، لتصبح من أكثر الرسامات إيرادا في تاريخ الرسم الجزائري، والقائمة طويلة.

 

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x