نتساءل هل الناشر في الجزائر يستحي من الشاب المبدع، أم يخاف من الخسارة؟، هو سؤال رواد الكثير من المبدعين الشباب الذين أغلقت في وجوههم الأبواب بحجة عدم الخبرة في الكتابة وعدم الشهرة، لا لشيء لأن أغلب دور النشر أهدافها تجارية، لكن رغم زخم دور النشر الرافضة للتعاطي مع الأقلام الواعدة هناك من يلتف لهم ولو كان عددهم يحسب على الأصابع، ومن هنا وجدت المبدعة اسمهان جلودي ضالتها بعدما كانت إبداعاتها حبيسة الأدراج لسنوات.
سارة فراح
مسافة ألف ميل تبدأ بخطوة، وقد كانت أولى خطواتها في الإبداع من سيارة الأجرة بمحطة المسافرين في الجلفة، الوجهة الجزائر العاصمة، الهدف تحقيق الحلم، ذلك الحلم الذي كان يراودها يوميا في منامها، تمسكت به مثل ما يتمسك الغارق بقشه، وبقدر المسافة ما هي طويلة زادت طولا والساعات أصبحت أيام في قلب متشوق للغزل بأوراق مولودها الأول.
مضت على روايتها الأولى تسع سنوات، كانت أحرفها صامتة وصوتها غير مسموع إلا أن دقت أبواب الحظ في وجهها لترى النور أولى روايتها “غرفة غير معقمة” عن دار النشر “الجزائر تقرأ”.
تحكي رواية اسمهان جلودي الشابة التي تبلغ من العمر 28 سنة، “غرفة غير معقمة” عن أزمة المراهقة عند الفتاة الجزائرية، حاولت أن تعالج الأزمة من جوانب النفسية، الفكرية، الاجتماعية، لتضع القارئ أمام صورة ذلك المراهق الذي يعيش صعوبات وتحديات دائمة مع الحياة في مجتمع يسيء فهمة ويسحق ذاته في الكثير من المرات، لتبرز منها انعكاسات المجتمع باختلاف مجالاته على المراهق.
ولم تخفي المبدعة اسمهان أنها أطلقت العنان لقلمها بتحرير رواية أخرى ذات طابع رومانسي، تهدف من خلالها أن يكون الحب مسارا لتنمية الإنسان، حيث ولدت الفكرة بمجرد ما إن اتصل بها صاحب دار النشر “الجزائر تقرأ” وأعلن لها خبر صدور روايتها الأولى بعد صعوبات دامت تسع سنوات.
لمسنا من جلودي تلك الفرحة بمولدها الأول وحكت لنا عن مخاضها مع روايتها “غرفة غير معقمة” وتلك البسمة التي لم تفارقها حين يجول القارئ في ورقاتها ويحس بنبض قلمها الذي ولد قبل اليوم بكثير، لتنسى صعوبات واجهتها وبيئة كانت عائقا في التعريف بنفسها.
صنعت منها الأيام امرأة قوية فلم تيأس ولم تسرق منها السنوات حلمها ولا أملها الصغير بأن ترى كتاباتها النور يوما، فبقت متمسكة بخيط الأمل وبقلمها الذي ينضج يوما بعد الأخر، وهي التي حملت القلم في سن لا يتعدى العشرون عاما لتكتب بصدق عن مرحلة جد حساسة في حياة الإنسان، فكانت حكايات فتاة مراهقة.
تأسفت المبدعة اسمهان عن وضع النشر في الجزائر فكانت تلك اللعنة التي أخرت روايتها تسع سنوات كاملة، وهي حقيقة آلت إليها دور النشر الجزائرية حيث عادت تحدي للشباب نظرا لتهديد بعض أقلام المبدعين بالإعدام.
كم من مبدع وجد ضالته بعد عناء شديد، وكم من أخر لا يزال يتخبط في مجتمع لا يعترف بثقافة الشباب، وكم من كاتب أغرقته بيئته في الحضيض وكانت سببا في تهميشه، وكم من شاب تحدى بقلمه كل شيء في سبيل أن يرى حلمه واقعا، وفي سبيل أن ترى إبداعاته النور يوما.
اسمهان جلودي لا زالت ترسم أحلامها، ولا زالت تكتب بإحساس عميق لا يعرفه إلا من يسكن في مدن الهامش التي تعيق الإبداع والمبدعين، لا زالت تحلم بغد جميل وبأن تكون كاتبة تثير الحماس في نفوس الشباب المغامر في عالم الكتابة، وبأن يصنع منها القدر كاتبة تترجم روايتها إلى جميع لغات العالم.