سينما العشرية السوداء.. نزيف لم يتوقف

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

لقد عاشت الجزائر ظروفا صعبة مطلع تستعينيات القرن الماضي طيلة عشرية كاملة، فترة وصفها البعض بـ”السوداء” والآخرون بـ”الحمراء”، لأنها بحق عشرية الدّم والدّمار والخراب، دفعت فيها البلاد والشّعب الجزائري فاتورة ثقيلة جدا، تستحق في كل الأحوال أن تعالج سينمائيا بما يسمح بفتح عيون الأجيال القادمة وتلقينها التاريخ الحقيقي للبلاد.

صفوان سعيد

لكن، وإلى غاية إثبات العكس، تبقى الأفلام التي تسقط صورا وحكايات من الواقع المرّ المعاش آنذاك، والتي يمكن أن تؤرخ لهذه المرحلة قليلة، فالجزائر لم تستثمر سينمائيا بالقدر الكافي في هذه المرحلة الدموية، ما عدا جهود فردية أو أفلام مناسباتية أنتجت في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، وأخرى ممولة من الخارج أغلبها شوّهت صورة الجزائر.

كيف عالجت الأفلام السينمائية فترة العشرية السوداء في الجزائر؟ سؤال عميق يتوجب الوقوف عنده للحديث عن مرحلة تاريخية من ذاكرة الجزائر، تتمثل في فترة صعبة عاشها الجزائري بألم ومعاناة طرح فيها سؤال وجيه؛ من يقتل من في الجزائر؟ الكل عاش الخوف وتذوق طعم الموت، حتى هناك من حمل بندقية وقتل أخاه أو أخته أو فردا من أسرته أو أحد أقربائه..!

فترة العشرية الدموية أسدلت الستار على كل ما هو ثقافي وفني، بعدما عاد الفنان والكاتب في دائرة الخطر، واغتيل العديد من المبدعين والمفكرين في مختلف المجالات، ظرف صعب على الجزائر راح ضحيته الكثير من الأبرياء، لتأتي السينما من بعيد بعيون مخرجين قدموا رؤيتهم لما حدث، فهل وُفق البعض أم تطرف البعض الآخر عن الواقعة؟

“المحنة”

ومن الأفلام التي عالجت هذه الحادثة التي ألمت بالجزائريين فيلم ”المحنة” الذي تضمن لقطات ”تراجيدية” قوية مستوحاة من الواقع، حيث تناول هذا الفيلم الاجتماعي التراجيدي للمخرجين والكاتبين الأخوين زروقي عبد الحليم ونور الدين، والذي تم انتاجه في إطار تظاهرة ”الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، يحكي قصة معاناة حقيقية مستلهمة من الواقع لأسرة من تيارت تسبب فيها ”الإرهاب الأعمى”، تدور القصة حول شاب عازف للعود ومجتهد في دراسته، تحولت حياته فجأة إلى ”كابوس مدمر” بعد إقدام مجموعة إرهابية على قتل وبكل وحشية في أحد الليالي والديه وأخته المقبلة على الزواج وأخيه الصغير بدون أي سبب يذكر.

“البطلة”

ونذكر أيضا فيلم “البطلة” للمخرج شريف عقون، من إنتاج الوكالة الجزائرية للإشعاع، والذي قدم حقائق عاشتها الجزائر، تدور أحداثه في أواسط التسعينيات، ويتعلق الأمر بأحد المزارعين اسمه “عاشور”، حيث كان يدير مزرعة مع شقيقه “مراد” على بضعة كيلومترات من العاصمة، وتكاثفت الهجومات الإرهابية على القرويّين والمزارع المعزولة، وتتواصل أحداث الفيلم حتى يباغث الموت “عاشور”، فتفقد زوجته “حورية” البطلة الأطفال الذين اتجهوا هربا من ضغط تلك الأحداث إلى عائلتهم بالعاصمة.

“مال وطني”

أما فيلم “مال وطني” فجاء ضمنيا بسؤال طرحته المخرجة فاطمة بلحاج، وأنتج ضمن الفعاليات السينمائية لتظاهرة “الجزائر عاصمة الثقافة العربية2007″، حيث كان نافذة يطلّ من خلالها المشاهدون على سنوات باتت من الماضي تغلّب فيها الحزن على الفرح مع بقاء شيء من الأمل وعلى واقع لم يتغير كثيرا في العديد من العائلات الجزائرية، حيث العوز والتسلّط وكذا الإحساس بـ “الحقرة”، الإرهاب في فيلم فاطمة بلحاج لم يكن الصلب ولكن خلفية لمأساة اجتماعية، عاشها الجزائريون لسنوات طويلة بأطياف متعددة، فتوقفت بلحاج عند حكاية الجارة “ربيعة” التي يختطفها الإرهابيون ويقتادونها إلى الجبل حيث تغتصب، إلى أن يحررها الأمن الوطني رفقة فتيات أخريات، لكن أيّ مستقبل ينتظرها عندما يرفض الأب أن يسترجعها ويقول إنّ ابنته “ماتت”.

رشيدة”

ويحكي فيلم “رشيدة” للمخرجة أمينة شويخ، قصة معلمة شابة في إحدى المدارس تضطر للهروب إلى الريف برفقة والدتها، بعد أن كادت تقتل على يد متشددين بسبب رفضها وضع قنبلة في المدرسة التي تدرس فيها، حيث تتوالى الأحداث فيما بعد لتتحدى رشيدة، هذه المعلمة الشابة، جميع الظروف المحيطة بها، وتسعى لمساعد أهل القرية وأطفالها للخروج من حياة اليأس والخوف التي يعيشونها. الفيلم حاز على تقدير خاص من لجنة التحكيم في مهرجان “كان”.

ذاكرة الاحداث

نجد فيلم “ذاكرة الاحداث” للمخرج عبد الرحيم العلوي في 110 دقيقة يحكي عن شاب اسمه عز الدين يشتغل بمهنة الصحافة في إحدى المدن الداخلية للبلاد، ويحضر لاقتباس مسرحية “تارتوف المحتال” لموليير لأدائها بالمسرح البلدي، لكن يحاول رئيس البلدية حديث العهد بالتعيين منعهم من ذلك، ولتجاهل هذه الوضعية يلتف الأصدقاء حول هدف واحد هو تحقيق حلمهم مهما كان الخطر، ورغم بعض الشكوك التي تراود عددا منهم.

أبو ليلى

يعود المخرج أمين سيدي بومدين في هذا العمل الروائي الأول له بعد الفيلمين القصيرين “الجزيرة” و”غدا الجزائر” إلى فترة التسعينيات حيث كانت الجزائر تعيش في أجواء من العنف والإرهاب الدموي جراء الأعمال الإجرامية التي زرعت الرعب خاصة في شمال البلاد التي ميزتها الاعتداءات و أعمال العنف.

وقد حط هذا المخرج الموهوب كاميراته في أحد أحياء المدن الكبرى التي كانت ساحة للعنف ضد كل من يخالف الفكر الإرهابي، وكانت إشارة انطلاق الوقائع اغتيال الإرهابي “ابو ليلى” لأحد سكان الحي أمام منزله.

ومن خلال شخصيتي “سين” شرطي المرور وصديقه لطفي المنتمي لقوات مكافحة الارهاب يسافر الفيلم بالمشاهد من الشمال إلى الصحراء الكبرى ومن الازدحام إلى المساحات الشاسعة والرمال الذهبية ومن الضجيج إلى السكون.

تقريبا، نجد أن كل هذه الأفلام وأخرى أعادت إنتاج ما عاشته الجزائر في تلك المرحلة، وفق رؤية كل مخرج ومخرجة، حيث ذهبت مباشرة إلى مشاهد الأزمة، لكنها لم تنقل المسببات الحقيقية لها، من أجل أن تكتمل المعادلة، فهي أفلام تطرقت إلى الجانب الأمني من الأزمة، ولكنها لم تبحث عن الظروف والسبب وراء تفشي الموت والقتل في الجزائر، فمن كان وراء الكواليس في تلك الفترة؟.

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x