سارة

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

اسمي سارة أنتمي إلى الجزائر العظيمة، كنت في السابق وردة صغيرة جدا وسط عائلتي السعيدة، أحلم بمستقبل جميل، متجاهلة أنه كلما كبر الإنسان، ازدادت همومه ومشاكله، فلم أفكر قط في الحزن، بل فقط شغلت نفسي بالتفكير الأفضل.

ها قد بدأت أكبر، وبدأت أكتشف عالما لم أعرف قط بوجوده حقد، غل، استغلال وفراق الأحباء، وما يضحكني أكثر أنني قضيت عمري برمته أبحث عن أناس صالحين لأكون سعيدة برفقتهم، أحس بالأمان معهم، لكن أفضل لو لم أفعل هذا لأني كلما شعرت بالسعادة وتناسيت الحزن برفقة أحد ما يشاء القدر أن أفقده، فيتحطم قلبي.

كنت في السادسة من عمري عندما تفككت عائلتي وتهدمت، وهأنا أفقد أبي، كانت سنوات الفراق الطويلة جعلتني أنسى كيف أحبه، وهذا ما يؤلمني، فكلما أدركت أن إحساس الابنة اتجاه أباها أنه يلاشى مع مرور الأيام أحاول تكذيب نفسي، لكن لا مفر من الحقيقة.

لطالما كنت مميزة عن باقي الفتيات في صغري حيث لم أستطع التأقلم معهن، حاولت بكل الطرق لكن لم يتقبلوا تميزي لذا انسحبت، وأدركت أني أميل إلى التشبه بالأولاد وكلما يقومون به من ألعاب خطيرة، وكنت من هواة كرة القدم اللعبة التي كنت أجد فيها نفسي وأستطيع مجاراة الأولاد فيها والتغلب عليهم أيضا، وهكذا بدأت أستعيد مرحي وحبي للحياة، بعدما كنت متشائمة من هذا العالم.

مرت سنوات عديدة من جديد وهأنا ابتعدت عن لعبتي المفضلة، وكل الأصدقاء بغية التفوق في الدراسة، وهذا فعلا ما حدث حيث كنت من المتوفيق في الدراسة.

بدأت أحن لطفولتي التي لم أكد أعشها يوما، وقررت زيارة المكان الذي كنت أشبه فيه نفسي بالصبيان، لكنني لم أعد كما كنت فقد كبرت وتغيرت، وأصبحت أنثى بعدما كنت صبيا، يا حسرتي لم يتعرفوا علي، ولم يصدقوا أن الطفلة التي كانت تلعب معهم هي الشابة التي أمامهم الآن.

لم أحب الوضع أبدا فقررت أن تكون زياراتي لهم متقطعة، وبعد مضي تلاث أشهر أخيرا حصلت على صديق حميم، وأصبح بمثابة العالم بأسره في نظري، أحببته كثيرا لدرجة الجنون، وبادلني الشعور نفسه.

بعد ثلاثة أشهر على علاقتنا، بدأت تتأزم الأحوال وتملأ المشاكل حياتنا، لأنني كنت متيمة به ولطالما تجاهلت كل تصرفاته السيئة وكلما أزعجني فيه حتى أتجنب المشاكل، لكن هذا أيضا لم يساعدني، لأنه كان يحب المشاكل ويجادلني على أتفه الأسباب، ولطالما تعرضت لانهيارات عصبية، وحوادث، وأشياء كثيرة كانت تحصل لي عندما يغضب مني.

بقي الحال على ما هو عليه إلا أن وصلنا السنتين ونحن مع بعض، وبدأت أنضج أكثر فأكثر، وبدأت بالتفكير الجاد ووجدت نفسي أنها اكتفت ولن أستطيع السكوت أكثر لأنني سأنفجر، فقررت أن أنهي كل شيء، وأجد سببا يجعلنا نترك بعضنا، وأجعله يضن أنني المذنبة وهذا ما فعلته بالتأكيد.

ها أنا أفقد شخصا له أثر على حياتي من جديد، حسنا حاولت أن أنسى، وأغمس نفسي في دراستي ورياضتي معا، لكن لم أنسى بل أتظاهر فقط، مرت أيام وليالي، وها هو يحاول استعادة حبي لكنني رفضت بمنتهى البساطة، وأخبرته بكل سهولة أنني لا أحب سوى نفسي، نعم أنا أتجاهل قلبي وأحفظ كرامتي بالمقابل.

ومنذ ذلك اليوم وهو يحاول مضايقتي، والمجيئ مع بنات يشتغلن معه حتى يلفت انتباهي، وقد نجح حقا في المرة الأولى وجدني أتكلم مع أحد أصدقائي عن حالتي النفسية وما إذا كنت حقا نسيته، هب هو والفتاة التي تشتغل معه آتيان باتجاهنا وبعد برهة تكلم وقال “قدموا لنا التهاني لقد تزوجنا”.

لم أحس بنفسي إلى أنني قمت مسرعتا نحو الحمام، ودموع تنهمر وقلبي يتمزق، انتظرت هناك إلا حين ذهابه، وخرجت بعدها في حالة يرثى لها، وحاولت جاهدة ألا أكترث لما حصل، مرت سنة من محاولاته الفاشلة وعدم اكتراثي، لكن قضيت السنة الأخرى دون رؤيته وهذا ما سهل التعايش مع الوضع بطريقة أسهل، خاصة بعد علمي أنه يعيش حياته مع شريكة حياته، ورغم كل ما حدث إلى أنني جد سعيدة لرؤيته سعيدا ومستقلا بعائلته.

كل ما يشغلني هو عائلتي، والحصول على أصدقاء حقيقين لأنه ولغاية اليوم لم أجد صديقة حقيقية أثق فيها وأحس معها بالطمأنينة.

هنا تذكرت بأني فقدت صديق طفولتي وأعز شخص إلى قلبي، أخي وبئر أسراري، بسبب أهله الذين سببوا في خصامنا بعدما كنا أكثر من الإخوة ومنعونا من اللقاء، كالعادة أحترم رغبة الآخرين لكن لا أحد يكترث لأمري، أخيرا وبعد سنوات صالحنا لكننا أبدا لم ولن نعود كما كنا، وهكذا فقدت ثالث شخص في حياتي بعد أبي وصديقي المقرب الإنسان الذي لا زلت أحبه رغم عيوبه، لكونه كان سببا في أن أنسى همومي، وجعلني أبتسم ودفعني لأدفن كل آلامي وجراحي، لكن مع الوقت فقدته بشكل نهائي، فالدنيا تلعب معي حيث كلما أعطتني شيئا، ومنحتني آمال كاذبة تعود لتأخذه مني، فتأخذ معه ابتسامتي وأنفاسي.

سنوات عديدة مرت كبرنا وتغيرنا، وعاد بصيص الأمل وأصبحت أكثر مرحا وسعادة فقد لأني ظننت أنه وأخيرا سأنعم بحياة هادئة جميلة، خالية من الحزن، لكن جاءت الصدمة وعدت من البداية، اليوم أصبحت وحيدة بمعنى الكلمة، لا أصدقاء، ولا أحباب، ومن العائلة بقت أمي وأختي، لكن الملاحظ أننا بدأنا ننفر من بعضنا، ولا نحاول سماع بعضنا بعض، بل حتى أننا لا نجتمع ساعتين متتاليتين.

بقلم: نور الدين معمري من البيض

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x