تسألني نفسي ألف مرة في اليوم “ما الشيء التي تريدينه أكثر من شيء أخر؟” وكل مرة أقف حائرة أمامها وأمام سؤالها المتوترة والممل في أوقات عدة، وتهربا من الأجوبة التي تحاصرني من كل جهة أقول دون وعي تعالى نرقص وكفي عن مضايقتي.
انصرف إلى موعدي مع المنية تاركة في غرفتي كل أسلحتي البيضاء: منجلي، رمحي، حسامي، حتى حصاني واكتفي بالترصد فقط واحمل بعض الحصى تحسبا لأي طارئ أو خطر قد يباغتني، ترفضني أقدامي زعيمة عليها وتأبى الانقياد والأذعان، وعند كل أمر تتراجع للوراء ألف خطوة دون أن تترك لي الفرصة للإصرار، عليها خائبة خاضعة وتعودت هي على جنوني الطفولة الدائم فأترك لها كرسي القيادة وأختار المشي للأمام زحفا على الانتظار.
بعد قطع مسافة من الألم ألتفت للوراء في عجل وتلفني الدنيا حاقدة فتريني وطنا ينزف حد الشؤم حد الموت يغرق الضفة عن أخرها بسيل العرم المخصب بالدم لكن الغرقى لا يتشبثون بأي قشة وإنما يصرون على الغرق والغرق هكذا دون جدوى، أقف متسائلتا: هل اغرق نوع من أنواع غضب الرب ولم الرجم ليس نصيب هؤلاء القوم وما لي أرى بأسا من غير سبأ؟
فتجاوب نفسي، نفسي: صه دعي هؤلاء الموتى يموتون في صمت فلطالما رضوا الصمت، وسط الحقل المحروق أقف نازفة القلب بعد طول زحف وصغاري بيميني يرمون حجارة على أفعى بيساري، ألعن نفسي أني اعترضت دون إدراك جلمودا جادت به الغيمة ليقتل الأفعى من بعد طول الصبر، أخرج ما احمل من حصى وابسط كفي لأعدها فلا أجد غير كفي أين ذهبت كل أسلحتي؟ وكيف اصد الآن قذائف ستخرق وعي ودوي مدافع سيفقدني صبري ورصاصات صماء ستسكن جسدي دون أذني؟ ومن سيخيط كفني؟ ومن سيحفر قبري؟ ومن يحمل نعشي ويقبل لحظة الوداع خدي؟ ومتى تصير ارضي وطن، ويصير سكانها شعبي، وكيف ارفع رايات النصر ورياح الموت المفاجئ تلاحقني وجنوده تمتطي أحصنة الغدر؟
كل ليلة ينام الثري في حضن صغير من صغاري وتذرف سحب تشرين كل دموعها على إخباري ووحدها البشرية ترفض وأدي وأنا التي منذ البدء وأحيتني لحظات الإسراء والمعراج والصلب ونفحة نفخات القدس الروح في صدري ومنحتي السلام يوم ولدت ويوم أموت ويوم أحيا مع الموت مقطوعة العنق.
تخطئني رصاصة وتصيبني أخرى والموت من حولي يحيك لي الثقب ثقبه ومن الريحان يفرش لي القصر وقسرا يرقدني في تخته ويسجنني مانعا عني الماء والهواء ككل الأسرى ويخلصني من نقمة العيش مع الصمت في الدنيا واحدة وادعي أمامه أني ارفضه قرينا لكن نفسي بالموت قد أنست فقد طاب لها صمت الموت على الموت صمتا.
بقلم: دليلة زيدان