إن المسرح كفن قاوم العدو الفرنسي إلى الرمق الأخير فنا وابداعا وقد اختلفت التضحيات من أجل الوطن والتحرير من الاستعمار الغاشم، وكما قال الراحل مصطفى كاتب عشية تأميم المسرح الجزائري كأول مؤسسة ثقافية يوم 8 جانفي 1963 بعد 6 أشهر من الاستقلال فقط “المسرح في الجزائر منذ بداياته الأولى اختار أن يتبنى قضايا شعبه فناضل بلغته وعبر عن رفضه للوضع القائم وناهض الاستعمار..”.
وحين نتحدث عن المسرح والنضال الثوري لابد من الوقوف أمام جهود الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، التي خلدت في الذاكرة الوطنية ريبرتوار ثري بالعروض المسرحية صنعت الحدث بتعريفها بالقضية الجزائرية لدى شعوب العالم على غرار مسرحية “نحو النور” ماي 1958، “أبناء القصبة” سبتمبر 1958، “الخالدون” وغيرها.
وللتاريخ تأسست الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني في مارس 1958 بتونس والتي مهد لها اتصال المناضل أحمد بومنجل بمصطفى كاتب ليلتحق بالعاصمة التونسية 35 عضوا، وقد انشئت فرقتين واحدة للمسرح والثانية للغناء برئاسة مصطفى كاتب بصفته مدير الفرقة والأب الروحي للمسرح.
إن الهدف الأسمى من تشكيل الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني هو الاطلاع البلدان العربية والأجنبية على الكفاح الذي يخوضه الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، فكان رسالة فنية ابداعية نضالية رسمها الفن الرابع عاليا في العديد من الخرجات منها ليبيا، يوغسلافيا، كرواتيا، البوسنة، صريبا، الصين الشعبية، الاتحاد السوفياتي، العراق ومصر..
والمعروف في المسرح التضحيات التي يقدمها في سبيل الوطن فلا طالما قدم أبناء هذا الفن روحهم للجزائر، ومن التضحيات التي خلدها التاريخ تضحية رضا حوحو، محمد التوري، إلى تضحيات العشرية السوداء أمثال عبد القادر علولة وعز الدين مجوبي.
ومن مواقف التقاء المسرح والثورة وجها لوجه عرض مسرحة “أبناء القصبة” على الحدود الجزائرية التونسية أمام الجنود الذين كانوا في مهمة اجتياز خط موريس، وكان يدرك حينها مدير الفرقة تأثير المسرحية عليهم فطلب من القائد العسكري أن يأمر الجنود بنزع الرصاص من أسلحتهم لتفادي وقوع أي حادث.
وفي زيارة تشي جيفارا للجزائر شاهد مسرحية في قاعة الأطلس بباب الوادي وبعد انتهاء العرض قال “إن في الجزائر مسرح ثوري”، وهي شهادة تضاف إلى ريبرتوار المسرح الجزائري الذي عاش النضال في الكثير من مراحله.
إنه المسرح، الفن الذي ولد في ظروف نضالية بالجزائر ولا زال النضال متواصل خاصة بعد الحراك الشعبي المبارك اذا فليكن حراك مسرحي نضالي أخر يصنع من شباب اليوم تخليدا لذكرى الراحلين.
وتبقى الثورة الجزائرية مصدر إلهام الكثير من الفنانين سواء في السينما والموسيقى، والمسرح كأب للفنون، لتبقى أمجاد أبطالنا تعلوا فوق قمة الأوراس، لنتذكرهم بحب وبفخر.
صارة بوعياد
برافو صارة يعيطيك الصحة بالتوفيق