صارة بوعياد
الإبداع سمة من سمات الفنان، والشعر عنوان من أريج الحياة، ومن تمنراست ولد عبد الوهاب فتحي ليزرع شعرا وسنه لا يتعدى 18 سنة، وهو الذي يلامس الركح ويتنفسه حبا وطمعا في احترافية أبي الفنون.
فتحي شاعر وممثل مسرحي هاوي، عضو النادي الأدبي ضياء القوافي ومنخرط في عدة جمعيات ونوادي ثقافية، ابن ثلاثة أقاليم (توات، وتيدكلت والأهقار)، ما جعله يسموا بين عوالمه الإبداعية، بدأ كتابة الشعر في مرحلة مبكرة.
لازال الشاعر فتحي يبحث عن ذاته في الشعر وعن السبيل في نشر أولى دواوينه، وبالحديث عن دور النشر الجزائرية واستقبالها للشباب المبدع قال الشاعر فتحي: “دور النشر في الجزائر تستقبل عدد كبير من أعمال الشاب المبدع، وهناك عدة تسهيلات للطبع، لكن لابد من مراعاة المضمون، وعلى دار النشر أن تعي ذلك أي ماذا تطبع؟ ولمن تطبع؟ فقد ظهرت كتب وروايات لا علاقة لها بالكتابة وهي تنطوي في الكتابة من أجل الكتابة”.
يقولُ عز الدين إسماعيل في كتابه التّفسير النفسي للأدب: “لا يمكنُ الفصل بين المضمون والإيقاع في القصيدة بعد تَشَكُّلِها”، يترادفُ ذلك ما قالهُ جون كوين في كتابه “بناء لُغة الشعر” أنَّ “الوزن وسيلة لجعل اللغة شعراً باعتباره علاقة بين المعنى والصوت وهو بناء صوتي معنوي”.
ما أراده الرجلان أنَّ مهمة الشاعر إيصال معناه في القصيدة بصوته أي إيقاعه ولكن أي إيقاع؟ يقول فتحي: “ربما يسأل هذا السؤال “شعراء” اليوم بطريقة احتجاجية لتعزيز رأيهم باللجوء إلى كل ما يخالف الوزن الخليلي أو ما عرف بالشعر الحر أو النثري وهو سؤال محق إذا ما تم الاهتمام بالمعنى من حيث تمثيل الصورة قد تكون (فكرية أو عاطفية في لحظة رمزية) كما قيل، لكنه تعريف تقليدي لا يجب تبنيه من قبل حداثي اليوم فضلاً عن أنه أقرب إلى التقليد الشعري القديم في دلالاته من الرؤية الشعرية الحديثة، لا نص يعلو على النص الخليلي حيث نحتاج المصداقية ليستعيد الشعر الحقيقي مكانته”.
الكثير يميل للرواية فينتقل من الشعر أو القصة إلى الراوية، وفي نظره أن الكاتب الذي ينتقل إلى كتابة الرواية أو القصة ولا يكتب الشعر ليس شاعرا، بل تطفل على الأدوات الشعرية لخدمة الرواية، وما جعل البعض يميل للرواية هو السبق الإعلامي والتنظير للمجهول، ويقول عبد الوهاب فتحي “في فترة فيروس كورونا نشرت أغلفة لروايات لم تكتب بعد، بالنسبة لي لو حاولت في الرواية لن أتخلى عن الشعر، وغير ذلك أذواق والأذواق تناقش”.
يبقى عبد الوهاب فتحي وفيا لكتابة الشعر ولن تغريه الرواية ولا كتابة القصة، إذ يجد في الشعر ملاذا له وحياة أخرى يكتبها بقلم مبدع، ينبض حبا في بيئته الصحراوية “تمنراست”. وهو الذي يكتب شعرا ليتنفسه في حياته اليومية، ويختار الشعر العمودي لأن حسبه هو النص العمودي المتوارث.
” في الليلة المجهول بعد الألف“
كَأَيِّ طِفْلِ شَقِي يَعْشَقُ السُّفُنَا يَقُولُ: يَا إِخْوَتِي كَالسِّنْدِباَد أَنَا
يَقُولُ: يَا جَدَّتِي هَلْ شَهْرَزَادُ أَتَتْ ؟ أَمْ أنَّهَ ا نَسِيَتْ أَنَّ الغُلاَمَ هُنَا ؟؟
وَنَامَ مِلْأَ جُفُونِ الغَيْبِ عَنْ حُلُمٍ بَرَاءَةٌ تَعْشَقُ الأَمْوَاجَ والفِتَنَا
ثُمَّ اسْتَعَادَ جُنُونُ الوَعْي سِيرَتُهُ أَحْتَاجُ بَاخِرةً سَمْرَاءْ تُشْبِهُنَا
أُرِيدُ يَا جَدَّتِي أَنْ أَبْرَحَ المِحَنَا أُرِيدُ يَا جَدَّتِي أَنْ أَبْرَحَ المِحَنَا
تَخَطَّفَتْهُ _ وَفِي أَفْكَارِهَا انْدَهَشَتْ _ يَا بَحْرُ لَا تَكْتَرِثْ وَأقْصُصْ رُؤَاكَ لَنَا
رَأَيْتُ فِي الحُلْمِ عُشْبًا أَخْضَرًا وَدَمًا وَنَجْمَةً وبَيَاضًا والهِلَالُ دَنَا
وَفِتْيَةً رَسَمُوا لِلتَّيْهِ إِمْرَأَةً فِي جِيدِهَا( قَسَمَا ) -وَلْيَسْقُطِ الخَوَنَا-
هُمْ يُنْشِدُونَ وَفِي أَصْوَاتِهِمْ صَدَأٌ يَقُولُ: لَا تَشْهَدُوا إِنِّي أَرَى الزَّمَنَا
رَأَيْتُ فِي الحُلْمِ بَعْلًا قَالَ:يَاامْرَأَتِي لَا شَيْءَ يُشْبِهُ يَا مَحْبُوبَتِي الوَطَنَا
قَدْ كَانَ يُخْبِرُهَا بِأَنَّهُ شَفَقٌ – جَارَ الزّمَانُ – سَيَأْتِي ثُمَّ يَرْفَعُنَا
رَأَيْتُ فِي الحُلْمِ طِفْلاً قَالَ : وَالِدَتِي إِنْ عِيلَ صَبْرُكِ مَنْ يَطْهِي الطَّعَامَ لَنَا؟
رَأَيْتُ فِي الحُلْمِ قَوْمًا لَا ضِيَاَءَ بِهِمْ وَقَالَ صَاحِبُهُمْ الله يَعْرِفُنَا
مَرُّوا عَلَى ضِفَّةِ النِّسْيَانِ فَاغْتَرَفُوا.. عَادُوا سُكَارَى وَكُلٌ قَالَ هِيتَا لَنَا
كَانُوا هُنَا والزَّمَانُ ابْتَاعَ خَطْوَتَهُمْ اليَوْمَ قَدْ رَحَلُوا بِالأًمْسِ كَانُوا هُنَا
رَأَيْتَ فِي الحُلْمِ شَيْخًا قَالَ: يَا وَلدِي تِلْكُمْ خَرَائِطُهُمْ نَحْتَاجُ مَوْطِنَنَا
هَلَّا رَوَيْتَ لَنَا عَنْ سِرِّ حُبِّكُمَا ؟ الحُبُّ يَا وَلَدٍي مَا لَا يُقالُ لَنَا
وَفَجْأَةً نَطَقْتْ وَالدِّمْعُ رَاوَدَاهَا صَدَقْتَ يَا شَاعِرِي هَذِي قَصِيدَتُنَا
مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ أنَّاتُهَا انْكَتَمَتْ مَاكَانَ ضَرّكَ لَوْ لَمْ وتَقْصِصِ الفِّتَنَا
فَقَالَ: يَا جَدَّتَي هَلْ شَهْرَزَادُ هُنَا فَالسِّنْدِبَادُ أَنَا وَ السَّنْدِبَادُ أنَا.
بقلم: عبد الوهاب فتحي