غيبوبة المثقف

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

✓ إنّ حادثة تيزي وزو التي أوقفت الزّمن في أرض الجزائر ليست فعلا نزقًا أو مُنظّما، إنّها خلاصة ونتيجة عقود من رعاية المتوازيات الثّقافيّة المزعومة، والتي تفتي بتمييز ثقافي وليس بتعدّد أو تنوّع، المتوازيات التي وضعت ثقافة متقاطعة وتاريخا مشتركا في ميزان الخلاف والغيريّة، وأحيانا في موقع التفوّق والاستعلاء، بينما التزم المثقّفون الصّمت واكتفوا بأصوات خفيضة أمام ممارسات تقوم باسم الثّقافة والدّيمقراطية على عزل الثّقافة والصّوت المختلف.

✓ إنّ الواجب اليوم يفرض تشكيل مجموعة من الباحثين والمثقّفين الذين يملكون الأدوات المعرفيّة الكفيلة بالجزم لوقف النّقاشات العشوائيّة حول التّاريخ والثّقافة وتحوّلاتهما، والبت في الادّعاءات والمرويات الشّفهية التي تبتكر في كلّ مرّة أفقا ثقافيّا متوحّدا، وتاريخا جديدا يدين أو يعلي من شأن جهة دون أخرى.

✓ إنّ المفاضلة بين أبناء الشّعب الواحد، خاصّة في الخطابات التي يتبنّاها مثقّفون، أو متعلّمون يدّعون الثّقافة والدّفاع عن الحريّة والتنوير وحقوق الإنسان والحيوان، هي جريمة تُكتب بالنّار وتزرع الحقد والكراهيّة وشعوري النُّقص والتميّيز لدى فئات من الشّعب الواحد، وهو ما وسّع ادّعاء جهات لامتلاكها السّبق أو التفوق دون جهات أخرى، وتغذية هذا الإحساس، وتوسّع الجريمة وسائل الإعلام التي توافق على بث ونشر رسائل التّفرقة والتمييز بكلّ أنواعه العرقي/ الإثني والثّقافي، وهنا حريّ بالمواطن المثقّف والأكاديمي أكثر من غيره المساهمة في تفكيك هذا الخطاب وتسييره نحو الزّوال عاجلا، واستبداله بحقيقة المشترك الثّقافي.

✓ فالحلول أمام التّناقضات المقصودة للتّاريخ لا تحتاج الإصغاءَ إلى التّأويلات المزاجيّة أو النّفسيّة بل إلى صرامة العلم والمعرفة، وعلى الجميع الصّمت أمام نزاهة العلم وكلمته، وبدل تدريس النّشء الأساطير كيقينيات يجب الحذر من انقلاباتها بعد حين، فإذا كانت لكلّ أمّة أساطيرها؛ فإنّها لا تكون التّاريخَ اليقين الذي يتشبّع به التلاميذ ثمّ يُتركون لمفاجأة المستقبل الذي قد يسخر من هذا اليقين. وعليه فكُتب التّاريخ المدرسيّة يجب أن تحرّر بعناية وحذر، وتحرَّر من الإيديولوجيات والمفاضلات.

✓ لا شكّ أنّ مظاهر الإفلاس لا تعزل النّخب، فقد سجّلت طفرة في تضييع الفرص، ولم تتمكّن من إنتاج المعنى، بسبب الزّيف أحيانا أو التطلّعات الشّخصيّة سواء في السّياسة أو المال أو غيرها، ما جعل الكثير من المثقّفين والمعارضين يفشلون في التّفريق بين السّلطة والدّولة، فذهبوا في المعارضة والنّقد إلى مهاجمة ركائز الدّولة الثّابتة تحت عدّة مسمّيات من بينها المراجعة أو الشّجاعة، خاصّة ما يتعلّق بالعداء الخارجي من قبل دول لا تخفي موقفها من الجزائر، ويصطفّ ويتحيّز مثقّفوها إلى جانبها، بينما يصمت المثقّف الجزائري كأنّه يشهد خصومةً بين طرفين لا علاقة له بهما، بل وينكر أنّ بلاده مستهدفة من قبل أعداء خارجيّين.

✓ على المثقّفين الجزائريّين اليوم أن يبادروا ويقدّموا بدائل تليق بالثّقافة والسياسة الوطنيّة، وبدل تقديم التّشخيصات المتتالية تدوين مقترحات وإحراج النّظام بها، فإن أخذ بها أو ببعضها لا بأس، وإن أهملها يكون التّاريخ قد دوّن حضور المثقّف كمبادر وليس كمتذمّر أبدي، خاصّة وأنّ الثّقافة تحتاج إلى المثقّفين لتتّسع وتجمع وتشكّل عنصر قوّة للجميع، فلا يعي خطورتها غير المثقّف الذي يجب أن يخرج من دائرة الوضع الاجتماعي إلى دائرة الكتلة الفاعلة، فالوعي داخل الدّولة بوجود مثقّف وصوت معرفيّ ضيّق جدّا، والحكمة والرّؤية الاستراتيجية لا ترتبط به.

✓ وفي السياق، على المثقّفين الجزائريّين أن يواجهوا كتابات من ينتسب إليهم وهو يسخرُ أو يُجرّحُ في فئة ويعلي من شأن فئة أخرى بدعوى استفزاز الوعي، فالعامّة لا يُستفزّ وعيها بل تُجرح مشاعرها.

✓ إنّ القانون اليوم يجب أن يتكيّف بسرعة لتشريع ما يمنع خطابات المفاضلة باسم العرق والقبيلة إلا في سياق التّنافس العلمي والثّقافي الإبداعي، وكذلك لتحديد مساحة الافتخار بالانتماء وحدودها، وأين تبدأ الممارسات الثّقافيّة وأين تصبح مفضالات إيديولوجية وعرقيّة مفرّقة، وهذا بتكوين النّشء على قيم المواطنة قبل الانتساب إلى جهة أو جغرافيا ضيّفة.

✓ إنّ غياب الصّرامة من قبل أجهزة الدّولة وتردّدها في بعض المواقف أورث البعض تغوّلا وحجما متخيّلا أكبر من الحجم الطّبيعيّ، وهو ما يتماثل والافتراضات التي تسوقها مواقع التواصل الاجتماعي والتي تقيم عالما موازيا فيه الكثير من المغالطات والتصوّرات الخاطئة أو المزيّفة أو المضخّمة، وهنا يمكن تسجيل – بحسرة – ضعف الإعلام الجزائري وسطحيّته، بالمقابل وجود مواهب وكفاءات إعلامية مهمّشة أو مهاجرة، ولو كان الإعلام قويّا لكان صداه في وسائط التّواصل يحدّ من فوضى المغالطات والتّزييف والبهتان.

✓ إنّ حقوق الإنسان وحريّة التّعبير وقبول الاختلاف مفاهيم تقوم في الفضاء العمومي وفي وعي المواطن بفضل حضور ثقافة المواطنة ومشاركة النّخب قبل أن يفرضها ويحميها القانون والدّولة، لهذا فغياب النّخب يعوّم المفاهيم كلّها ويعبث بها.

المجد للجزائر كلّها

الجزائر العاصمة في: 16 أوت 2021

حرّره: إسماعيل يبرير/ روائي

 

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x