محمد اسياخم.. حين يكون الابداع من رحم الألم

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

لُقب بـ “صاحب الحقد المقدس”

محمد اسياخم.. حين يكون الابداع من رحم الألم

سارة فراح

قال عنه أرنود سبير “إنه معتد، وعنيف، رغم أن حركته مهدهدة، هذا الراوي الذي لا يكل، هذا المحرر الذي يبدأ ألف مرة، فمن الوجوه المغلفة في وطنه، ترك وراءه رصيدا فريدا من نوعه، حيث الإبداع والكشف فيه لا يتوانى عن البدء.. حتى من أكوان بعيدة عن وطنه الأم”. انه الفنان صاحب الحقد المقدس، المبدع بيد واحد حاملا للألم وللوجع وللمعاناة التي صنعت منه فنانا متميزا ومتفردا بلوحاته التشكيلية إنه الفنان الجزائري محمد اسياخم (1928- 1985).

إسياخم ابن قرية ذبودوشث بأزفون الواقعة بولاية تيزي وزو، وُلد يوم 17 جوان 1928. لما بلغ الثالثة من عمره ترك قريته مع عائلته للاستقرار في ولاية غليزان، حيث نشأ هناك وقضى طفولته بها. وتعود قصة حادث فقدان ذراعه وبعضا من أفراد أسرته، لما كان في عمر 15، قام في 1943 بسرقة قذيفة يدوية من مخيم الجيش الفرنسي، التي انفجرت، وأسفرت عن وفاة أختيه وابن أخته، بينما بقي هو نزيلا في المشفى لمدة عامين بعد أن خسر ذراعه الأيسر.

كان أستاذا بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالجزائر

يعتبر محمد إسياخم الفنان التشكيلي الجزائري من رواد الحركة التجريدية في العصر الحديث، وعضو في الاتحاد الوطني الجزائري للفنون التّشكيلية، درس الرسم صغيرا وتتلمذ على يد محمد راسم عرض لوحاته في باريس عام 1951 بقاعة أندريه موريس، انضم بعدها إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة بباريس ليصبح بعد ذلك أستاذا بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالجزائر في عام 1963، كما ترأّس ورشة الفنون التشكيلية بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بوهران. وعمل مديرا تربويا بها خلال عامي 1964 و1966. ومن سنة 1968 إلى 1971 درس بالمدرسة متعددة التقنيات بالجزائر العاصمة واشتغل رساما كاريكاتوريا بيومية “الجزائر الجمهورية”.

وبفضل هذا النجاح والتنوع التشكيلي في مختلف النشاطات الفنية في الساحة التشكيلية حاز الفنان على العديد من الجوائز والتكريمات، منها جائزة المريشال بتان، وجائزة المهرجان الدولي عن فيلم “غبار جويلية” بالقاهرة، وجائزة أحسن ديكور عن فيلم “الصوت” للمخرج محمد سليم رياض، علاوة على فوزه بالجائزة الأولى في مهرجان الوحدة الإفريقية.

كما تُوج بالميدالية الذهبية بالمعرض الدولي بالجزائر لأحسن جناح، ونال جائزة الأسد الذهبي بروما، وشهادة الاستحقاق الوطني وجائزة لأحسن ديكور عن فيلم “وقائع سنين الجمر”، وغيرها من الأعمال الفنية والجوائز التي استحقها الفنان بكل جدارة.

وفي 1980 تَسلم أول جائزة الأسد الذهبي لليونيسكو للفن الإفريقي. وبين عامي 1970 و1983، أنجز إسياخم عدة أوراق نقدية للجزائر، منها أوراق من فئة 500 دينار، و10 دنانير، و20 دينارا، و50 دينارا، و100 دينار، لكنها، للأسف، لم تعد تُستخدم. كما أنجز أوراقا نقدية لدول إفريقية أخرى.

ولُقب إسياخم بـ “صاحب الحقد المقدس”، لأنه كان يرسم الأشياء بألم، وكان صاحب فلسفة غريبة، لأنه عانى كثيراً في بداياته انطلاقًا من مولده في الحي الشعبي الفقير، مرورًا بمعايشته الحروب والمجاعات، والطاعون الذي أتى على أرواح الآلاف من الجزائريين. وطوال تجربته الفنية كان إسياخم يستمد جماليته من الخيبات، ويتغنى بالموت، لأنه يحمل في أعماقه سر الحياة.

“أعتبر الرسم أكبر صدمة في حياتي”

وفي حوار مع مجلة “الثورة الإفريقية” في ماي 1985 قال إسياخم إن الرسم لا يعني له شيئاً ولا يمكن له تعريفه” لأنه عالم عميق جدا، “وكلمة الرسم في حد ذاتها واسعة وغامضة”. وأضاف أن بعض الفنانين يدّعون أنهم يرسمون، لأن ذلك يستهويهم، بينما هو لا يرسم لأنه راغب في ذلك. الرسم يؤلمه، يتعذب حينما يرسم، قد يكون ذلك نوعا من “المازوخية” أو جلد الذات.

وقال في هذا السياق: “لنفرض أنني أرسم، لماذا أفعل ذلك! إن هذا يستدعي التساؤل حقاً، أنا لم آت إلى الرسم مثل الفنانين الفرنسيين والإسبان والإيطاليين، أولئك يذهبون إلى الرسم بكل عفوية وبساطة، فلهم معالمهم وتقاليدهم الفنية، ومعظمهم نشأوا في بيئات مثقفة، وترعرعوا في الموسيقى والمسرح والفن، هل تفهم ذلك؟. أما في ما يتعلق بي، فأنا أعتبر الرسم أكبر صدمة في حياتي، قد تكون أفظع من الصدمة التي أدت إلى بتر ذراعي”.

لم يعتبر إسياخم أن الرسم امتيازا أو ترفاً أبداً، بل كان يعتبر تعاطيه الفن قدراً ومحنة كبيرة. حيث قال: “أباؤنا لم يتركوا لنا حريّة الإبداع، ولم يضعوا في متناولنا أقلام التلوين والفراشي وألوان “القواش”، وعندما كنّا نقوم بالرّسم في البيت العائلي كان الأب يصرخ فينا “ما هذا!” ويعاقبنا بالضرب، لأنّ الرسم لم يكن يعني له سوى تبديد الوقت، لقد حرمنا الرسم منذ نعومة طفولتنا، لذلك لا أستطيع أن أجيبك إن كنت أحب الرّسم أم لا. ثم إنني لا أعلم إن كان الرّسم شيئاً يستحق الحب، الرسم في ظني غريزة وقدر”.

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x