المتحف الوطني للمجاهد.. رمز تاريخي في الذاكرة الوطنية

الأكثر قراءة

افتتاح ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد بمناسبة الشهر الفضيل
إطلاق حاضنة المدرسة العليا للفنون الجميلة "آرتي"
وهران تحتضن ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي"
فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية
افتتاح الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الوطني للعيساوة
فيلم يكشف استخدام فرنسا أسلحة كيميائية في الجزائر
عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بقصر الثقافة مفدي زكرياء
القصبة ذاكرة وطنية حية تحتفي بتاريخها
البليدة: فتح المسرح البلدي "محمد توري" في حلة جديدة
تقديم العدد الأول لمجلة "سينماتيك" بالجزائر العاصمة

يعتبر من أكثر المتاحف زيارة في الجزائر

المتحف الوطني للمجاهد.. رمز تاريخي في الذاكرة الوطنية

قادتنا رحلتنا نحو اكتشاف متاحف العاصمة إلى المتحف الوطني للمجاهد، الذي تقشعر له الأبدان ويكبر فيه الاعتزاز بالوطن، فكانت الزيارة مشحونة بالرموز التاريخية، فتعالت فيها أنشودة “يا شهيد الوطن” التي دوت المكان ونحن نقترب بعمق من مقام الشهيد، الذي تعلوا فيه شموخ الثورة الجزائرية وتضحياتها، ليكون بلا منازع من أهم المعالم التاريخية في العاصمة من حيث الرمز التاريخي والذاكرة الوطنية، يقصده الجزائريون ليستذكروا مآثر ثورتهم.

أسس “المتحف الوطني للمجاهد” في عهد الراحل هواري بومدين، مقره سابقا كان بالأبيار، ومن عام 1982 تم تدشينه مع مقام الشهيد في عهد الشاذلي الذي بني بمناسبة إحياء الذكرى العشرون لاستقلال الجزائر، وقد كان في الماضي مكان مشيد كحصن عسكري سابق يضم عدة أجنحة كبرى تحكي تاريخ الثورة التحريرية تعرض بالصور والنماذج تاريخ المقاومة الشعبية والنضال السياسي ثم اندلاع الثورة التحريرية.

ويتمثل الهدف الأساسي من وجوده الحفاظ على تاريخ الثورة الجزائرية والذاكرة الجامعية للجزائريين، ويعتبر المتحف الوطني للمجاهد كمعلم تاريخي، وكمنصب تذكاري للحرب الجزائرية يطل على مدينة الجزائر العاصمة.

يتألف الشكل الهندسي للنصب من ثلاثة أوراق نخيل تتحد في منتصف الارتفاع، وعند بداية كل ورقة نجد تمثال يرمز إلى إحدى حقبات حرب التحرير الثلاثة، وهذا النصب تم صنعه من طرف الشركة الكندية لافالين، استنادا إلى نموذج منتج في مدرسة الفنون الجميلة في الجزائر العاصمة بقيادة بشير يلس، يحلق على ارتفاع 92 متر، والسعفات الثلاثة يبلغ طولها 47 متر وقطرها المصنوع على غرار الفن الإسلامي يبلغ 10 أمتار وارتفاعها 25 متر وعرض القبة 6 أمتار. ويتواجد النصب في ساحة واسعة تقع تحت النصب مباشرة رمز يسمى بالشعلة الأبدية ويتضمن سردابا ومدرج ومتحف تحت الأرض يسمى بمتحف المجاهدين.

ومن نشاط ومهام المتحف الوطني للمجاهد، جمع الوثائق والشهادات والأشياء والأعمال والآثار المرتبطة بفترة ثورة التحرير الوطني، حفظ وترميم كل ما يجمعه المتحف وفق المقاييس المعمول بها في هذا المجال، إلى جانب جمع المراجع وتبادل المعلومات العلمية والتقنية مع الهيئات المتخصصة الوطنية والأجنبية، ونشر المعلومات عن طريق المطبوعات والمجلات والكتيبات والمراشد ووسائل الإسناد السمعية البصرية، بالإضافة إلى عرض الأشياء المجمعة على الجمهور، وإنجاز برامج التنشيط العلمي والتقني والمشاركة فيها بواسطة المعارض والملتقيات والندوات المختصة.

“عرض مجموعة من الأسلحة وقطع نقدية للأمير الجزائر”

وقوفنا أمام المتحف الوطني للمجاهد لوحده تقشعر له الأبدان، ومباشرة عند دخولنا نجد عدة صور لشهداء الجزائر، وفي الرواق صور الرؤساء المتعاقبين على الدولة الجزائرية، وليس ببعيد عنها مدفع يدل على شموخ الجزائر ونضال أبنائها، وعند مدخل المعرض الخاص بالمتحف الوطني للمجاهد، نجد صورة تجسد مشهد لأسطول المعهد العثماني خلال المعركة البحرية، ولوحة فنية تمثل حادثة المروحة، ومجسم لقصر الداي حسين الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر.

كما نجد خريطة المقاومة الجزائر الشعبية، منها مقاومة الأمير عبد القادر، بالإضافة إلى تمثال نصيفي الأمير عبد القادر بن محي الدين مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، وصور كثيرة للأمير عبد القادر مختلفة الحجم أنجزها الرسام “اونج تيسي” 1853، ونجد أيضا  بيانات للتنظيمات العسكرية والسياسية لدولة الأمير عبد القادر، وعرض مجموعة من أسلحة الأمير عبد القادر وقطع نقدية تم صكها في عهده، منها نقود فضية وبرونزية، ومقتطفات من الصور تمثل البيعة الأولى له، يمثل اجتماع زعماء القبائل والعلماء بمدينة معسكر.

ويمكن للزائر أن يشاهد مجسم لعاصمة دولة الأمير الزمالة المتنقلة، ومخطوط صحيح البخاري ملك للأمير عبد القادر، حيث دون فيه ملاحظاته وتعليقاته وكان الكتاب رفيق سجنه بفرنسا، كما نجد مروحة خاصة بالأمير عبد القادر مصنوعة من الريش تتوسطها مرآة صغيرها، وجزمة جلدية مطرزة بالذهب سلمت لرئيس بوتفليقة قدمت له أثناء زيارته بفرنسا من جوان 2000.

ومن مشاهد التعايش الديني ما بين المسلمين والمسيح، لوحة تمثل حماية اللاجئين المسيحين من قبل الأمير عبد القادر في دمشق، ونشاهد مسدسين قدموا كهدية للأمير من قبل ابراهام اعجابا بدوره الدبلوماسي لتخفيضه نار الفتنة ما بين المسيحين والمسلمين في دمشق عام 1860.

“مجسم رهيب شاهد على تعذيب الوحشي للاستعمار الفرنسي”

وكلما توغلنا في عمق المعرض بالمتحف المجاهد، كلما تعالت أنشودة “يا شهيد الوطن”، حيث شدتنا المجسمات المعروضة، منها مشهد تنفيذ عملية الإعدام الشهيد البطل أحمد زبانة بالمقصلة، ومجسم رهيب شاهد على تعذيب الوحشي التي كانت تقوم به وحشية الاستعمار الفرنسي أثناء تعذيب المجاهدين والشهداء نساء ورجال على حد سواء.

وفي جناح أخر يمثل استغلال الجزائريين وتجوعيهم مع الفقر والحرمان، من قبل المستعمر الفرنسي على الشعب الجزائري، إلى جانب نص لتأسيس جمعية العلماء المسلمين، وتاريخ تطور الراية الجزائرية من 1518 الى 1962، ومجسم للعلامة عبد الحميد ابن باديس، فضلا على قصاصات لجريدة “البصائر”.

كما نجد من محتويات المعرض “قاذوف صاروخي”، “بازوكا” من نوع من ولايات المتحدة الأمريكية، محرك لطائرة حربية اسقطها المجاهدين عام 1952، بالقرب من قرية سيدي مخلوف في المنطقة الرابعة تاريخية، بالإضافة إلى أدوات كانت تستعمل في عهد المقاومة الشعبية، لوحة تستعرض مجازر الثامن من ماي 1945، صور معلقة تمثل المجموعة 22 التاريخية، إلى جانب خريطة تبين أبرز العمليات الفدائية ليلة النداء الفاتح من نوفمبر من العام 1954.

ويستعرض المتحف شكل خط موريس وشارل لعام 1958، الذي أنشأ بهدف خنق الثورة وعدم وصول التمويل إلى المجاهدين، يحتوي على العديد من القنابل الفرنسية يدوية الصنع، ومجسمات للجندي الفرنسي.

ومن نضال المرأة الجزائرية في حمل السلاح، نجد أن المعرض لم يهمل دور المرأة أثناء الثورة الجزائرية، حيث يبرز مهامها في الإسعاف الجنود كممرضة، وحمل السلاح ونضالها رفقة الرجل، من أمثالها البطلة جميلة بوحيرد.

عند الخروج من المعرض مباشرة تقابلنا قبة الترحم التي تعلوها مجموعة من الأبيات الشعرية جاءت كتحية ووفاء للشهداء الأبرار للشاعر الشهيد العيد الخليفة، حيث نجد القاعة على شكل دائرية تعلوها في الجدان لوحات مكتوب عليها آيات مختارة من القران الكريم، وفوق كل آية نجد “الله أكبر” وهي الكلمة التي طالما رددها شهدائنا الأبرار، وفي وسط مقام الشهيد حجرة ضخمة تتسوط قبة الترحم ومصحف في قبلته.

أراء الزوار بالمتحف المجاهد في مقام الشهيد

صرحت أم ريهام القادمة من مدينة ميلة رفقة زوجها وبناتها الصغار، أنها تزور المتحف والجزائر العاصمة لأول مرة، “لا أخفي عليكم أنني معجب جدا بالمتحف الذي أشاهده لأول مرة، تم فيه عرض المجسمات والأسلحة وغيرها، وأول ما خطر في البال حين زرنا العاصمة، اكتشاف المتحف الوطني للمجاهد، وحتى أبنائي كانوا شغوفين بالمتابعة والسؤال عما يحتويه معرض المتحف.”

ومن مدينة السعيدة تحدثت لنا السيدة لطيفة بعمق عن شهدائنا الأبرار الذين ضحوا من أجل الوطن قائلة: “تعد الزيارة الثالث للمتحف الوطني للمجاهد وأعجبني المتحف كثيرا حيث شاهدت كيف كانوا يعيشون المجاهدين والشهداء تحت سلطة التعذيب الفرنسي، حيث ضحى الكثير بأعز ما لديهم، بأنفسهم وبأولادهم من أجل الوطن، وأتمنى من شباب اليوم أن يعرفوا قيمة هذه التضحية ويعطوا للوطن قيمة أكبر”.

ياسين من واد سوف، شاهدنا خجله من بعيد فاقتربنا منه ليحكي لنا زيارته للمتحف المجاهد، حيث أفصح أنها زيارته الأولى لجزائر العاصمة وللمتحف الوطني للمجاهد، قائلا: “وجدت في المتحف حكايات من تاريخ الجزائر، ومحطة للذكرى والترحم على شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بأغلى ما يملكون من أجل تحرير الوطن، وأكثر شيء اعجبت به مقاومة الأمير عبد القادر وتسامحه وتعايشه مع الأديان.”

التجول في المتحف يمكن للمرء أن يعيش الثورة ولو للحظات من العمر

أما عمي عبد القادر القادم من مدينة الباهية وهران، أكد أن زيارته الأولى إلى المتحف الوطني للمجاهد جاءت خصيصا من أجل الجيل الجديد من أحفاده، مبرزا أن على كل مواطن جزائري لابد أن يتقرب من الثورة الجزائرية عن قرب بهدف تعريف التاريخ للأبناءه، في المقابل صادفت العاصمة نيوز” الطفل بهاء من مدينة ورقلة القادم رفقة عائلته الذي صرح بإعجابه الخاص بصور المجاهدين والشهداء التي عرضت في المعرض.

قال عمي الطاهر بن عطاء الله من مدينة الجلفة لـ “العاصمة نيوز”، “زرت المتحف الوطني للمجاهد أكثر من مرة، واليوم أعيد زيارته التي تتكرر بشكل مستمر كلما سمحت فرصة القدوم إلى الجزائر العاصمة، حيث لاحظت أن هناك تغيرات وتوسع بالمتحف إذ تم عرض تحف جديدة أضيفت مؤخرا تتعلق بالثورة والتاريخ، ورغم أن زيارة العاصمة جاءت لوقت ضيق، إلا ولابد من زيارة المتحف الذي يذكرنا بتاريخ الثورة الجزائرية التي تعد أعظم ثورة في العالم، فالثورة غالية لدى الشعب الجزائري، ومليون ونصف شهيد ليس بالأمر السهل الذي من الممكن نسيانه أو مسحه من ذاكرة الجزائري الذي يعتز بجزائيته أينما كان.”

تقربت “العاصمة نيوز” من الشاب إلياس القادم من مدينة المسيلة، حيث أكد لنا أنها زيارته للمتحف الوطني للمجاهد تعد الثالثة، مردفا بقوله “حين يدخل المرء الى المعرض ويتجول فيه ويشاهد محتوياته يمكن له أن يعيش الثورة ولو للحظات من العمر، ويمكن أن تلمس التعذيب الذي كان مسلط من قبل الاستعمار الفرنسي على الجزائري الحر الذي يعشق الحرية ويموت من أجل تخليد اسم الجزائر ورفع عالمها عاليا، ومن المشاهد المؤثرة مشهد التعذيب الذي أقف عنده في كل مرة وتدمع عيني له، لأنها صورة مؤلمة تعبر عما مرا به شهيد الوطن، واليوم نحن كشباب نحمد الله على نعمة الاستقلال وندعو بالرحمة لشهدائنا الأبرار، ووفاء للمتحف أقوم بشكل مستمر بزيارته مباشرة من محطة خروبة للمسافرين، حيث أجده كنوع من الوفاء وتقديس شهيد الوطن، ليكون مكان للثقافة وللتاريخ ولحفظ ذاكرة الوطن.”

أما الشاب مولود القادم من مدينة المسيلة أيضا، قال إن المتحف نال اعجابه في كل تفاصيله الصغيرة والكبيرة، خاصة الأسلحة التي تم عرضها بأشكاله وتنوعها، وهو الذي لم يخفي أنها زيارته الأولى للمتحف مؤكدا لـ “العاصمة نيوز” أنها لن تكون الأخيرة، قائلا “في الحقيقة كل ما أسير في ركن من أركان المعرض يقشعر البدن لما أشاهده، وعليه أوجه تحية احترام وتقدير للمجاهدين وأترحم على شهدائنا الأبرار”.

صفوان سعيد

الإشتراك
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة

0
يرجى التعليق.x
()
x